تجرى من تحت أشجارها الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ النافعة، والحال أنه قد أصابه الكبر الذي أقعده عن الكسب من غير تلك الحديقة اليانعة، وله فضلا عن شيخوخته وعجزه ذرية ضعفاء لا يقدرون على العمل، وبينما هو على هذه الحالة إذا بالجنة ينزل عليها إعصار فيه نار فيحرقها ويدمرها ففقدها صاحبها وهو أحوج ما يكون إليها وبقي هو وأولاده في حالة شديدة من البؤس والحيرة والغم والحسرة لحرمانه من تلك الحديقة التي كانت محط آماله.
فالآية الكريمة قد اشتملت على مثل آخر لحالة الذين يبطلون أعمالهم وصدقاتهم بالمن والأذى والرياء، وغير ذلك من الأفعال القبيحة والصفات السيئة فقد شبه- سبحانه- حال من يعمل الأعمال الحسنة ثم يضم إليها ما يفسدها فإذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة ذاهبة، شبه هذا الإنسان في حسرته وألمه وحزنه بحال ذلك الشيخ الكبير العاجز الذي له ذرية ضعفاء لا يملك سوى حديقة يانعة يعتمد عليها في معاشه هو وأولاده فنزل عليها إعصار فيه نار فأحرقها ودمرها تدميرا.
وحذف- سبحانه- حالة المشبه وهو الذي يبطل صدقته بالمن والأذى والرياء وما يشبه ذلك، لظهورها من المقام.
وقد وصف- سبحانه- تلك الجنة بثلاث صفات:
وصفها أولا: بأنها من نخيل وأعناب أى معظمها من هذين الجنسين النفيسين اللذين هما أنفع الفواكه وأجملها منظرا.
ووصفها ثانيا: بأنها تجرى من تحتها الأنهار، أى تجرى من تحت أشجارها الأنهار التي تسر النفس. وتبهج القلب، وتزيد في حسن الجنة وبهائها.
ووصفها ثالثا: بأنها زاخرة بكل أنواع الثمار التي تنفع صاحبها، وتغنيه عن الاحتياج إلى غيره، فهي جنة قد جمعت بين حسن المنظر، وكثرة النفع، وهذا نهاية ما يتمناه كل إنسان لما يملكه.
أما صاحبها فقد وصفه- سبحانه- بأنه إنسان قد أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء أى أنه في منتهى الاحتياج إليها لكبر سنه وعجزه عن الاكتساب من غيرها ولمسئوليته عن الإنفاق على أولاد صغار لا يعولهم أحد سواه.
تلك هي حالة الجنة وحالة صاحبها في احتياجه إليها، فماذا حدث بعد ذلك؟ لقد أصابها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ فماذا يكون حال هذا الإنسان الذي أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء وهو يرى جنته ومحط أمله قد احترقت وهو في أشد الحاجة إلى ظلها وثمارها ومنافعها؟