إن الكلمات لتعجز عن تصوير ما يصيب هذا البائس من غم وهم وحزن وحسرة، وهو يرى جنته قد احترقت وهو في أشد أوقاته حاجة إلى ظلها وثمارها ومنافعها!؟
ولكأن الله- تعالى- يقول للناس بعد هذا التصوير البديع المؤثر: احذروا أن تبطلوا أعمالكم الصالحة بارتكابكم لما نهى الله عنه، فلا تجدون لها نفعا يوم القيامة وأنتم في أشد الحاجة إليها في هذا اليوم العصيب، لأنكم إذا فعلتم ذلك كان مثلكم في التحسر والحزن كمثل هذا الشيخ الكبير الذي احترقت جنته وهو في أشد الحاجة إليها.
وإنه لتصوير قرآنى في أسمى درجات البلاغة والتأثير، وفي أعلى ألوان التأديب والتهذيب.
قال القرطبي: روى البخاري عن عبيد بن عمير قال: قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يوما لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فيم ترون هذه الآية نزلت وهي قوله- تعالى-: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ الآية. قالوا الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخى قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لرجل غنى عمل بطاعة الله. ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق عمله. وروى ابن أبى مليكه أن عمر تلا هذه الآية وقال: هذا مثل ضربه الله للإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل العمل السيئ» «١» .
ثم ختم- سبحانه- هذه الآية بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ أى: كما يبين الله في هذه الآية ما يهديكم وينفعكم يبين لكم آياته وهداياته في سائر أمور دينكم لكي تتفكروا فيما يصلحكم، وتعملوا ما يرضى خالقكم.
ثم وجه القرآن بعد ذلك نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتحروا في نفقتهم الحلال الطيب، بعد أن حضهم على الإنفاق بسخاء وإخلاص.