وجملة تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ حال من فاعل تُحَرِّمُ، والعتاب واقع على مضمون هذه الجملة والتي قبلها، وهي قوله لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ.
والمعنى: يا أيها الرسول الكريم، لماذا حرمت على نفسك ما أحله الله- تعالى- لك من شراب أو غيره؟ أفعلت ذلك من أجل إرضاء أزواجك؟.
إنه لا ينبغي لك أن تفعل ذلك، لأن ما أباحه الله- تعالى- لك، لا يصح أن تحرمه على نفسك أو أن تمتنع عن تعاطيه، فتشق على نفسك من أجل إرضاء غيرك.
قال بعض العلماء: «ناداه بلفظ «النبي» إشعارا بأنه الذي نبئ بأسرار التحليل والتحريم الإلهى، والمراد بتحريمه ما أحل له، امتناعه منه، وحظره إياه على نفسه.
وهذا المقدار مباح، ليس في ارتكابه جناح، وإنما قيل له لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ رفقا به، وشفقة عليه، وتنويها لقدره ولمنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعى مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جريا على ما ألف من لطف الله- تعالى- به، ورفعه عن أن يحرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه..» «١» .
وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من وقع هذا اللوم، ومن أثر هذا العتاب، وإرشاد له صلى الله عليه وسلم بأن ما فعله داخل تحت مغفرة الله- تعالى- ورحمته.
أى: والله- تعالى- واسع المغفرة والرحمة وقد غفر لك- بفضله وكرمه ما فعلته بسبب بعض أزواجك، وجعلك على رأس من تظلهم رحمته.
ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر رحمته فقال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ.
وقوله فَرَضَ هنا بمعنى شرع، والتحلة: مصدر بمعنى التحليل، والمراد بها الكفارة، وهي مصدر حلّل كالتكرمة مصدر كرم، من الحل الذي هو ضد العقد.
أى: قد شرع الله- تعالى- لكم تحليل الأيمان التي عقدتموها، عن طريق الكفارة، لأن اليمين إذا كانت في أمر لا يحبه الله- تعالى- فالعدول عنها أولى وأفضل.
وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم «إنى والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير» .
وقد اختلف العلماء في التحريم الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم أكان بيمين أم لا.
(١) راجع تفسير القاسمى ج ١٦ ص ٥٨٥٢.