للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: لقد ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- أنك بعيد عما اتهمك به الكافرون، وأن لك عندنا المنزلة التي ليس بعدها منزلة.. وما دام الأمر كذلك فسترى وستعلم، وسيرى وسيعلم هؤلاء المشركون، في أى فريق منكم الإصابة بالجنون؟ أفي فريق المؤمنين أم بفريق الكافرين..

قال الجمل في حاشيته ما ملخصه: قوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ قال ابن عباس:

فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل، وقيل في الدنيا بظهور عاقبة أمرك..

بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ الباء مزيدة في المبتدأ، والتقدير: أيكم المفتون، فزيدت الباء كزيادتها في نحو: بحسبك درهم..

وقيل: الباء بمعنى «في» الظرفية، كقولك: زيد بالبصرة. أى: فيها. والمعنى: في أى فرقة منكم المفتون.

وقيل: المفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول والميسور. أى، بأيكم الفتون.. «١»

وجملة: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ.. تعليل لما ينبئ عنه ما قبله من ظهور جنونهم بحيث لا يخفى على أحد، وتأكيد لوعده صلى الله عليه وسلم بالنصر، ولوعيدهم بالخيبة والخسران.

أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- الذي خلقك فسواك فعدلك، هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وبمن أعرض عن طريق الحق والصواب.. وهو- سبحانه- أعلم بالمهتدين الذين اهتدوا إلى ما ينفعهم ويسعدهم في دنياهم وآخرتهم..

وما دام الأمر كذلك: فذرهم في طغيانهم يعمهون، وسر في طريقك، فستكون العاقبة لك ولأتباعك.

ثم أرشده- سبحانه- إلى جانب من مسالكهم الخبيثة، وصفاتهم القبيحة، وحذره من الاستجابة إلى شيء من مقترحاتهم، فقال: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ.

وقوله: وَدُّوا من الود بمعنى المحبة. وقوله: تُدْهِنُ من الإدهان وهي المسايرة والمصانعة والملاينة للغير. وأصله أن يجعل على الشيء دهنا لكي يلين أو لكي يحسن شكله، ثم استعير للملاينة والمساهلة مع الغير.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>