للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- لا يخفى عليه شيء من أحوالك وأحوالهم، وما دام الأمر كذلك، فاحذر أن تطيع هؤلاء المكذبين في شيء مما يقترحونه عليك، فإنهم أحبوا وودوا أن تقبل بعض مقترحاتهم، وأن تلاينهم وتطاوعهم فيما يريدون منك.. وهم حينئذ يظهرون لك من جانبهم الملاينة والمصانعة.. حتى لكأنهم يميلون نحو الاستجابة لك، وترك إيذائك وإيذاء أصحابك.

فالآية الكريمة تشير إلى بعض المساومات التي عرضها المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم وما أكثرها، ومنها: ما ذكره ابن إسحاق في سيرته من أن بعض زعماء المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد، كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد، كنت قد أخذت بحظك منه، فنزلت سورة «الكافرون» .

ومنها ما دار بينه صلى الله عليه وسلم وبين الوليد بن المغيرة تارة، وبينه وبين عتبة بن ربيعة تارة أخرى.. مما هو معروف في كتب السيرة.

ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبى طالب عند ما نصحه بأن يترك المشركين وشأنهم، وقال له: يا ابن أخى أشفق على نفسك وعلى، ولا تحملني من الأمر مالا أطيق.

قال له صلى الله عليه وسلم: يا عماه، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري. على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك فيه..»

والتعبير بقوله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ يشير إلى أن الملاينة والمصانعة كانت منهم، لا منه صلى الله عليه وسلم، فهم الذين كانوا يحبون منه أن يستجيب لمقترحاتهم، لكي يقابلوا ذلك بالتظاهر بأنهم على صلة طيبة به وبأصحابه.

قال صاحب الكشاف: قوله: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم، وكانوا قد أرادوه على أن يعبد الله مدة، وآلهتهم مدة، ويكفوا عن غوائلهم.

وقوله: لَوْ تُدْهِنُ لو تلين وتصانع فَيُدْهِنُونَ.

فإن قلت: لماذا رفع «فيدهنون» ولم ينصب بإضمار «أن» وهو جواب التمني؟

قلت: قد عدل إلى طريق آخر، وهو أنه جعل خبر مبتدأ محذوف. أى: فهم يدهنون، كقوله: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً على معنى: ودوا لو تدهن فهم يدهنون.. «١» .


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>