للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنبذ: الطرح والترك للشيء، والعراء: الأرض الفضاء الخالية من النبات وغيره.

والمعنى: لولا أن الله- تدارك عبده يونس برحمته، وبقبول توبته.. لطرح من بطن الحوت بالأرض الفضاء الخالية من النبات والعمران.. وهو مذموم، أى: وهو ملوم ومؤاخذ منا على ما حدث منه..

ولكن ملامته ومؤاخذته منا قد امتنعت، لتداركه برحمتنا، حيث قبلنا توبته، وغسلنا حوبته، ومنحناه الكثير من خيرنا وبرنا..

فالمقصود من الآية الكريمة بيان جانب من فضل الله- تعالى- على عبده يونس- عليه السلام-، وبيان أن رحمته- تعالى- به، ونعمته عليه، قد حالت بينه وبين أن يكون مذموما على ما صدر منه، من مغاضبة لقومه ومفارقته لهم بدون إذن من ربه..

قال الجمل ما ملخصه: قوله: وَهُوَ مَذْمُومٌ أى: ملوم ومؤاخذ بذنبه والجملة حال من مرفوع «نبذ» ، وهي محط الامتناع المفاد بلولا، فهي المنفية لا النبذ بالعراء..

أى: لنبذ بالعراء وهو مذموم، لكنه رحم فنبذ غير مذموم..

فلولا- هنا-، حرف امتناع لوجود، وأن الممتنع القيد في جوابها لا هو نفسه.. «١» .

وقوله: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ تأكيد وتفصيل لنعمة الله- تعالى- التي أنعم بها على عبده يونس- عليه السلام-، وهو معطوف على مقدر.

أى: فتداركته النعمة فاصطفاه ربه- عز وجل- حيث رد عليه الوحى بعد انقطاعه، وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون من الناس، وقبل توبته، فجعله من عباده الكاملين في الصلاح والتقوى، وفي تبليغ الرسالة عن ربه.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، ببيان ما كان عليه الكافرون من كراهية للنبي صلى الله عليه وسلم ومن حقد عليه، فقال- تعالى-: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ، لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ. وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ.

وقوله: لَيُزْلِقُونَكَ من الزّلق- بفتحتين-، وهو تزحزح الإنسان عن مكانه، وقد يؤدى به هذا التزحزح إلى السقوط على الأرض، يقال: زلقه يزلقه، وأزلقه يزلقه إزلاقا، إذا نحاه وأبعده عن مكانه، واللام فيه للابتداء.

قال الشوكانى: قرأ الجمهور: لَيُزْلِقُونَكَ بضم الياء من أزلقه، أى: أزل رجله..


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>