للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو لنا من مجموع الروايات، أن لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالجن قد تعدد، وأنهم تارة استمعوا إليه صلى الله عليه وسلم دون أن يراهم، وتارة التقى بهم وقرأ عليهم القرآن «١» .

قال الآلوسى: وقد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات، ويجمع بذلك بين اختلاف الروايات في عددهم وفي غير ذلك. وذكر ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال:

صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.. «٢» .

قال القرطبي: واختلف أهل العلم في أصل الجن. فعن الحسن البصري: أن الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون، وهم شركاء في الثواب والعقاب، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولى الله، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان..

وعن ابن عباس: أن الجن هم ولد الجان وليسوا بشياطين ومنهم المؤمن والكافر، والشياطين هم ولد إبليس، لا يموتون إلا مع إبليس.. «٣» .

وقال بعض العلماء: عالم الجن من العوالم الكونية، كعالم الملائكة وقد أخبر الله- تعالى- أنه خلقه من مارج من نار، أى: أن عنصر النار فيه هو الغالب، وأنه يرى الأناسى وهم لا يرونه، أى: بصورته الجبلية، وإن كان يرى حين يتشكل بأشكال أخرى، كما رئي جبريل حين تشكل بشكل آدمي.

وأخبر- سبحانه- بأن الجن قادرون على الأعمال الشاقة. وأن الله سخر الشياطين لسليمان يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ...

وأخبر بأن من الجن مؤمنين، وأن منهم شياطين متمردين، ومن هؤلاء إبليس اللعين.

ولم يختلف أهل الملل في وجودهم، بل اعترفوا به كالمسلمين، وإن اختلفوا في حقيقتهم، ولا تلازم بين الوجود والعلم بالحقائق، ولا بينه وبين الرؤية بالحواس، فكثير من الأشياء الموجودة لا تزال حقائقها مجهولة، وأسرارها محجوبة، وكثير منها لا يرى بالحواس. ألا ترى الروح- وهي مما لا شك في وجودها في الإنسان والحيوان- لم يدرك كنهها أحد ولم يرها أحد، وغاية ما علم من أمرها بعض صفاتها وآثارها..

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجن، كما بعث إلى الإنس، فدعاهم الى التوحيد، وأنذرهم


(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢١٠ وج ١٩ ص ٢، تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٧٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٣٠ وج ٢٩ ص ٨٣.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>