لإعجابهم بالقرآن الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الظاهر من سياق الآيات، حيث إن الحديث عنهم، ولأن الآثار قد وردت في أن الجن قد التفوا حول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعوه يقرأ القرآن.
ومن هذه الآثار قول الزبير بن العوام: هم الجن حين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يركب بعضهم بعضا ازدحاما عليه ... «١» .
ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن لجميع من أرسل إليهم، أنه لا يعبد أحدا سواه- عز وجل- فقال: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لجميع من أرسلناك إليهم من الجن والإنس: إنى أعبد ربي وحده، وأتوجه إليه وحده بالدعاء والطلب، ولا أشرك معه أحدا في عبادتي أو صلاتي أو نسكي ...
وقل لهم، كذلك: إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا أى: لا أملك ما يضركم وَلا رَشَداً أى: ولا أملك ما ينفعكم، وإنما الذي يملك ذلك هو الله- تعالى- وحده.
وقل لهم للمرة الثالثة: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ أى: إنى لن يمنعني أحد من الله- تعالى- إن أرادنى بسوء.
وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أى: ولن أجد من دونه ملجأ أركن إليه. يقال: التحد فلان إلى كذا، أى: مال إليه.
فالآية الكريمة بيان لعجزه صلى الله عليه وسلم عن شئون نفسه أمام قدرة خالقه- عز وجل- بعد بيان عجزه عن شئون غيره.
وقوله- سبحانه-: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ.... استثناء من مفعول لا أَمْلِكُ، وهما قوله قبل ذلك: ضَرًّا وَلا رَشَداً وما يليهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة. أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- إنى لا أملك ما يضركم ولا أملك ما ينفعكم، وإنما الذي أملكه هو تبليغ رسالات ربي إليكم، بأمانة واجتهاد.
والبلاغ: مصدر بلّغ، وهو إيصال الكلام أو الحديث إلى الغير، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول، مثل: «هذا خلق الله» ، و «من» ابتدائية صفة لقوله:
«بلاغا» أى: بلاغا كائنا من جهة الله- تعالى- وأمره. والرسالات: جمع رسالة، وهي
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٤٣. وتفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٧١.