وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية أن بعض المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد حدثني عن يوم القيامة، فأخبره صلى الله عليه وسلم عنه. فقال المشرك: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك- يا محمد- أو يجمع الله العظام. فنزلت هذه الآية.
والمعنى: أقسم بيوم القيامة الذي لا شك في وقوعه في الوقت الذي نشاؤه، وأقسم بالنفس اللوامة التقية التي تلوم ذاتها على الخير، لماذا لم تستكثر منه، وعلى الشر لماذا فعلته، لنجمعن عظامكم- أيها الناس- ولنبعثنكم للحساب والجزاء.
وافتتح- سبحانه- السورة الكريمة بهذا القسم، للإيذان بأن ما سيذكر بعده أمر مهم، من شأن النفوس الواعية أن تستشرف له، وأن تستجيب لما اشتمل عليه من هدايات وإرشادات.
ووصف- سبحانه- النفس باللوامة بصيغة المبالغة للإشعار بأنها كريمة مستقيمة تكثر من لوم ذاتها، وتحض صاحبها على المسارعة في فعل الخيرات.
والعظام المراد بها الجسد، وعبر عنه بها، لأنه لا يقوم إلا بها، وللرد على المشركين الذين استبعدوا ذلك، وقالوا- كما حكى القرآن عنهم-: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.
وقوله- سبحانه-: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ تأكيد لقدرته- تعالى- على إحياء الموتى بعد أن صاروا عظاما نخرة، وإبطال لنفيهم إحياء العظام وهي رميم.
وقادِرِينَ حال من فاعل الفعل المقدر بعد بلى. وقوله: نُسَوِّيَ من التسوية، وهي تقويم الشيء وجعله متقنا مستويا، يقال: سوى فلان الشيء إذا جعله متساويا لا عوج فيه ولا اضطراب.
والبنان: جمع بنانة، وهي أصابع اليدين والرجلين، أو مفاصل تلك الأصابع وأطرافها.
أى: ليس الأمر كما زعم هؤلاء المشركون من أننا لا نعيد الإنسان إلى الحياة بعد موته للحساب والجزاء، بل الحق أننا سنجمعه وسنعيده إلى الحياة حالة كوننا قادرين قدرة تامة، على هذا الجمع لعظامه وجسده، وعلى جعل أصابعه وأطرافه وأنامله مستوية الخلق، متقنة الصنع، كما كانت قبل الموت.
وخصت البنان بالذكر، لأنها أصغر الأعضاء، وآخر ما يتم به الخلق، فإذا كان- سبحانه- قادرا على تسويتها مع لطافتها ودقتها، فهو على غيرها مما هو أكبر منها أشد قدرة.
وقوله- تعالى- بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ بيان لحال أخرى من أحوال فجور