الماوردي، أنها بمعنى راصدة ... وفي الصحاح: الراصد الشيء الراقب له. تقول: رصدته أرصده، إذا ترقبته ... «١» .
والمعنى: إن جهنم التي هي دار العذاب في الآخرة، كانت- بأمر الله- تعالى- ومشيئته- معدة ومهيئة للكافرين، فهي ترصدهم وترقبهم بحيث لا يستطيعون الهرب منها، فهي كالحارس اليقظ الذي يقف بالمرصد فلا يستطيع أحد أن يتجاوزه.
والمقصود بالآية الكريمة تهديد المشركين، وبيان أنهم لا مهرب لهم من جهنم، وأنها في انتظارهم، كما ينتظر العدو عدوه ليقضى عليه.
وقوله: لِلطَّاغِينَ مَآباً بدل من مِرْصاداً وقوله مَآباً من الأوب بمعنى المرجع. يقال: آب فلان يؤوب، إذا رجع ...
أى: إن جهنم كانت للمتجاوزين الحد في الظلم والطغيان، هي المكان المهيأ لهم، والذي لا يستطيعون الهرب منه، بل هي مرجعهم الوحيد الذي يرجعون إليه.
وقوله: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً أى: مقيمين في جهنم أزمانا طويلة لا يعلم مقدارها إلا الله- تعالى- إذ الأحقاب: جمع حقب- بضمتين أو بضم فسكون-، وهو الزمان الطويل.
لا يَذُوقُونَ فِيها أى: في جهنم بَرْداً أى: شيئا يخفف عنهم حرها، من هواء بارد، أو نسيم عليل وَلا شَراباً أى: شيئا من الشراب الذي يطفئ عطشهم، ويخفف من عذابهم.
إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً والحميم. هو الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة. والغساق: هو ما يسيل من جلودهم من القيح والدماء والصديد. يقال: غسق الجرح- كضرب وسمع- غسقانا، إذا سالت منه مياه صفراء. أى: أن هؤلاء الطغاة لا يذوقون في جهنم شيئا من الهواء البارد، ولا من الشراب النافع، لكنهم يذوقون فيها الماء الذي بلغ النهاية في الحرارة، والصديد الذي يسيل من جروحهم وجلودهم.
فالاستثناء في قوله إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً، استثناء منقطع، لأن الحميم ليس من جنس البرد في شيء، وكذلك الغساق ليس من جنس الشراب في شيء.