للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظلمهم بإلقائهم في جهنم، وإنما جازيناهم بذلك جزاء موافقا لأعمالهم السيئة في الدنيا.

فقوله: جَزاءً منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، وقوله وِفاقاً صفة له والوفاق مصدر وافق، وهو هنا بمعنى اسم الفاعل. أى: جوزوا جزاء موافقا لأعمالهم القبيحة التي كانوا يعملونها في الدنيا.

ثم علل- سبحانه- ما أصابهم من عذاب أليم، فقال: إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً. وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً. أى: إن هؤلاء الطغاة كانوا في الدنيا لا يخافون حسابنا، ولا يفكرون فيه، بل كانوا يكذبون به، وبكل ما جاءهم به رسولنا تكذيبا عظيما.

وقوله: كِذَّاباً مصدر كذب، ومجيء فعّال بمعنى تفعيل في مصدر فعّل فصيح شائع.

وأوثر هذا المصدر دون التكذيب، للإشعار بأن تكذيبهم لآيات الله- تعالى- قد وصل الغاية في قبحه وإفراطه. وهو منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله.

قال صاحب الكشاف: قوله كِذَّاباً أى: تكذيبا. وفعّال في باب فعّل، كله فاش في كلام فصحاء العرب لا يقولون غيره. وهو مصدر كذّب ... «١» .

ثم بين- سبحانه- شمول علمه لكل شيء فقال: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً و «كل» منصوب على الاشتغال، والإحصاء للشيء: ضبطه ضبطا محكما. وأصله من لفظ الحصا، واستعمل فيه لأنهم كانوا يعتمدون على الحصا في العد، كما يعتمد بعض الناس الآن على الأصابع.

قال الجمل: وقوله: كِتاباً فيه أوجه: أحدها: أنه مصدر من معنى أحصيناه، أى:

إحصاء فالتجوز في نفس المصدر. والثاني: أنه مصدر لأحصينا، لأنه في معنى كتبنا. فالتجوز في نفس الفعل ... «٢» . أى: وكل شيء في هذا الكون، قد أحصيناه إحصاء تاما، بحيث لا يعزب منه شيء عن علمنا، مهما كان صغيرا.

والفاء في قوله فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً للتفريع على ما تقدم من كون جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا ...

أى: إن جهنم كانت معدة ومهيأة لهؤلاء الطغاة بسبب أعمالهم القبيحة، وسيقال لهم يوم القيامة على سبيل الإذلال والإهانة، ذوقوا سوء عاقبة كفركم وفسوقكم وعصيانكم، فلن نزيدكم إلا عذابا فوق العذاب الذي أنتم فيه.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٨٩.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>