والمعنى: هل بلغك- أيها الرسول الكريم- خبر موسى، وقت أن ناديناه وهو بالواد المقدس طوى، الذي هو بجانب الطور الأيمن، بالنسبة للقادم من أرض مدين التي هي في شمال الحجاز.
ويدل على ذلك قوله- تعالى-: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً. لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ «١» .
وقوله- سبحانه-: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ ... مقول لقول محذوف، أى: ناديناه وقلنا له: اذْهَبْ يا موسى إلى فرعون إنه طغى، أى: إنه تجاوز كل حد في الكفر والغرور والعصيان.
وفرعون: لقب لكل ملك من ملوك مصر في ذلك الزمان، وقد قالوا إن فرعون الذي أرسل الله- تعالى- إليه موسى- عليه السلام- هو منفتاح بن رمسيس الثاني.
ثم بين- سبحانه- ما قاله لموسى على سبيل الإرشاد إلى أحكم وأفضل وسائل الدعوة إلى الحق فقال: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى.
والمقصود بالاستفهام هنا: الحض والترغيب في الاستجابة للحق، كما تقول لمن تنصحه:
هل لك في كذا، والجار والمجرور «لك» خبر لمبتدأ محذوف، أى: هل لك رغبة في التزكية.
أى: اذهب يا موسى إلى فرعون، فقل له على سبيل النصح الحكيم. والإرشاد البليغ:
هل لك يا فرعون رغبة في أن أدلك على ما يزكيك ويطهرك من الرجس والفسوق والعصيان.
وهل لك رغبة- أيضا- في أن أرشدك الى الطريق الذي يوصلك إلى رضى ربك، فيترتب على وصولك إلى الطريق السوى، الخشية منه- تعالى- والمعرفة التامة بجلاله وسلطانه.
قال صاحب الكشاف: قوله: وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ.... أى: وأرشدك إلى معرفة الله، أى: أنبهك عليه فتعرفه فَتَخْشى لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة ... وذكر الخشية، لأنها ملاك الأمر، من خشي الله أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شيء. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، - أى: سار في أول الليل- ومن أدلج بلغ المنزل» .
بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض، كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوه، كما أمر
(١) سورة القصص الآيتان ٢٩- ٣٠.