بذلك في قوله- تعالى- فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ... «١» .
والحق أن هاتين الآيتين فيهما أسمى ألوان الإرشاد إلى الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة.
والفاء في قوله- تعالى-: فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى. فَكَذَّبَ وَعَصى للإفصاح والتفريع على كلام محذوف يفهم من المقام. والتقدير: فامتثل موسى- عليه السلام- أمر ربه، فذهب إلى فرعون، فدعاه إلى الحق، فكذبه فرعون، فما كان من موسى إلا أن أراه الآية الكبرى التي تدل على صدقه، وهي أن ألقى أمامه عصاه فإذا هي حية تسعى، وأن نزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء من غير سوء.
ولكن فرعون لم يستجب لدعوة موسى، بعد أن أراه الآية الكبرى الدالة على صدقه، بل كذب ما رآه تكذيبا شديدا، وعصى أمر ربه عصيانا كبيرا.
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى أى: ثم أضاف إلى تكذيبه وعصيانه. إعراضه وتوليه عن الإيمان والطاعة. وسعيه سعيا حثيثا في إبطال أمر موسى، وإصراره على تكذيب معجزته.
وجاء العطف هنا بثم، للدلالة إلى أنه قد تجاوز التكذيب والعصيان، إلى ما هو أشد منهما في الجحود والعناد، وهو الإعراض عن الحق والسعى الشديد في إبطاله.
ثم بين- سبحانه- ما فعله بعد ذلك فقال: فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.
والحشر: جمع الناس، والنداء: الجهر بالصوت لإسماع الغير، ومفعولاهما محذوفان.
أى: فجمع فرعون الناس عن طريق جنده، وناداهم بأعلى صوته، قائلا لهم: أنا ربكم الأعلى الذي لا رب أعلى منه، وليس الأمر كما يقول موسى من أن لكم إلها سواي.
والتعبير بالفاء في قوله: فَنادى للإشعار بأنه بمجرد أن جمعهم دعاهم إلى الاعتراف بأنه هو رب الأرباب.
وجاء نداؤه بالصيغة الدالة على الحصر أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى للرد على ما قاله موسى له.
من وجوب إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده.
ثم بين- سبحانه- ما ترتب على هذا الفجور الذي تلبس به فرعون، وعلى هذا الطغيان الذي تجاوز معه كل حد، فقال: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى.
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٩٥.