من كثرة أسئلتهم عن شيء لا يهمهم حدوثه، وإنما الذي يهمهم- لو كانوا يعقلون- هو حسن الاستعداد له.
قال الآلوسى: قوله: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إنكار ورد لسؤال المشركين عنها. أى:
في أى شيء أنت من أن تذكر لهم وقتها، وتعلمهم به حتى يسألونك بيانها، كقوله- تعالى- يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها فالاستفهام للإنكار. وفيم خبر مقدم، وأنت مبتدأ مؤخر.
وقوله مِنْ ذِكْراها على تقدير مضاف، أى: ذكرى وقتها، وهو متعلق بما تعلق به الخبر.
وقيل: فِيمَ إنكار لسؤالهم، وما بعده استئناف تعليل للإنكار، وبيان لبطلان السؤال. أى: فيم هذا السؤال، ثم ابتدئ فقيل: أنت من ذكراها. أى: إرسالك وأنت خاتم النبيين ... علامة من علاماتها. «١» .
وقوله- تعالى-: إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها أى: إلى ربك وحده منتهى علم قيامها، لأنه- سبحانه- هو وحده- دون غيره- العليم علما تاما بالوقت الذي ستقوم فيه الساعة.
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... وقوله- سبحانه- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي، لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ.....
وقوله- تعالى-: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها تحديد لوظيفته صلى الله عليه وسلم أى: ليست وظيفتك- أيها الرسول الكريم- معرفة الوقت الذي تقوم فيه الساعة، فهذا أمر مرد معرفته إلى الله وحده ... وإنما وظيفتك امتثال ما أمرت به، من بيان اقترابها، وتفصيل أهوالها، ودعوة الناس إلى حسن الاستعداد لها بالإيمان والعمل الصالح ...
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ترك هؤلاء الجاهلون ما يجب عليهم من الإيمان والعمل الصالح، وأخذوا يسألونك عن أشياء خارجة عن وظيفتك؟.
وخص- سبحانه- الإنذار بمن يخشى قيام الساعة، مع أن رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة. وإنذاره إنما هو لهم جميعا، لأن هؤلاء الذين يخشون وقوعها، ويعملون العمل الصالح الذي ينجيهم من أهوالها، هم الذين ينتفعون بهذا الإنذار.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، ببيان حالهم عند قيام الساعة، فقال- تعالى-:
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها.
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٣٧.