قال الآلوسى ما ملخصه: وفي التعبير عنه صلى الله عليه وسلم بضمير الغيبة إجلال له ... كما أن في التعبير عنه صلى الله عليه وسلم بضمير الخطاب في قوله- تعالى-: وَما يُدْرِيكَ ... إكرام له- أيضا- لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش والإقبال بعد الإعراض ... «١» .
ثم فصل- سبحانه- ما كان منه صلى الله عليه وسلم بالنسبة لهذه القصة فقال: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى. وَهُوَ يَخْشى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. أى: أما من استغنى عن الإيمان، وعن إرشادك- أيها الرسول الكريم- واعتبر نفسه في غنى عن هديك ... فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى أى: فأنت تتعرض له بالقبول، وبالإصغاء لكلامه، رجاء أن يسلم، فيسلم بعده غيره.
يقال: تصدّى فلان لكذا، إذا تعرّض له، وأصله تصدّد من الصّدد، وهو ما استقبلك وصار قبالتك ...
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى أى: وأى شيء عليك في أن يبقى على كفره، بدون تطهر؟ إنه لا حرج عليك في ذلك، فأنت عليك البلاغ ونحن علينا الحساب وإِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ.....
و «ما» نافية و «عليك» خبر مقدم، وقوله: أَلَّا يَزَّكَّى مبتدأ مؤخر.
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى أى: من جاءك مسرعا في طلب الخير والهداية والعلم، وهو هذا الأعمى، الذي لم يمنعه فقدانه لبصره من الحرص على التفقه في الدين.
وَهُوَ يَخْشى أى: وهو يخشى الله، ويخاف عقابه، ويرجو ثوابه.
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أى: فأنت عنه تتشاغل، وتفرغ جهدك مع هؤلاء الزعماء، طمعا في إيمانهم.
ويلاحظ أن هذه الآيات الكريمة، أكثر حدة في العتاب من سابقتها، حيث ساق- سبحانه- هذه الآيات في صورة أشبه ما تكون بالتعجيب ممن يفعل ذلك ...
ثم ساق- سبحانه- ما هو أشد في العتاب وفي التحذير فقال: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ.
أى: كلا- أيها الرسول الكريم- ليس الأمر كما فعلت، من إقبالك على زعماء قريش طمعا في إسلامهم، ومن تشاغلك وإعراضك عمن جاء يسعى وهو يخشى ...
الضمير في قوله إِنَّها يعود إلى آيات القرآن الكريم، أى: إن آيات القرآن الكريم
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٣٩.