للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمشتملة على التذكير بالحق، وعلى الموعظة الحكيمة التي ينبغي على كل عاقل أن يعمل بموجبها، وأن يسير بمقتضاها.

فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أى: فمن شاء أن يتعظ ويعتبر وينتفع بهذا التذكير فاز وربح، ومن شاء غير ذلك خسر وضاع، فالجملة الكريمة لتهديد الذين يعرضون عن الموعظة، وليست للتخبير كما يتبادر من فعل المشيئة.

وهي معترضة للترغيب في حفظ هذه الآيات، وفي العمل بما اشتملت عليه من هدايات.

وجاء الضمير مذكرا في قوله: فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ لأن التذكرة هنا بمعنى التذكير والاتعاظ.

أى: فمن شاء التذكير والاعتبار، تذكر واعتبر وحفظ ذلك دون أن ينساه ...

وقوله: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ خبر ثان لقوله إِنَّها تَذْكِرَةٌ وما بينهما اعتراض ...

أى: إن آيات القرآن تذكرة، مثبتة أو كائنة في صحف عظيمة مُكَرَّمَةٍ عند الله تعالى- لأنها تحمل آياته.

هذه الصحف- أيضا- مَرْفُوعَةٍ أى: ذات منزلة رفيعة مُطَهَّرَةٍ أى: منزهة عن أن يمسها ما يدنسها.

وهي كائنة بِأَيْدِي سَفَرَةٍ وهم الملائكة الذين جعلهم الله- تعالى- سفراء بينه وبين رسله: جمع سافر بمعنى سفير. أى: رسول وواسطة، أو هم الملائكة الذين ينسخون ويكتبون هذه الآيات بأمره- تعالى- جمع سافر بمعنى كاتب، يقال: سفر فلان يسفره، إذا كتبه.

كِرامٍ بَرَرَةٍ أى: هذه الآيات بأيدى سفرة من صفاتهم أنهم مكرمون ومعظمون عنده- تعالى-، وأنهم أتقياء مطيعون لله- تعالى- كل الطاعة، جمع برّ، وهو من كان كثير الطاعة والخشوع لله- عز وجل- ...

هذا والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها قد اشتملت على كثير من الآداب والأحكام، ومن ذلك: أن شريعة الله- تعالى- تجعل التفاضل بين الناس، أساسه الإيمان والتقوى، فمع أن عبد الله ابن أم مكتوم، كان قد قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم خلال حديثه مع بعض زعماء قريش.... ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتشاغل عنه إلا لحرصه على جذب هؤلاء الزعماء إلى الإسلام.

مع كل ذلك، وجدنا الآيات الكريمة، تعاتب النبي صلى الله عليه وسلم عتابا تارة فيه رقة. وتارة فيه شدة. وذلك لأن الميزان الذي أنزله الله- تعالى- للناس مع الرسل، لكي يبنوا عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>