حياتهم، هو: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.
ولقد استجاب الرسول الكريم لهذا التوجيه الحكيم، فبنى حياته كلها بعد ذلك على هذا الميزان العادل، ومن مظاهر ذلك: إكرامه لابن أم مكتوم، وقوله له كلما رآه: «أهلا بمن عاتبني فيه ربي» .
وفعل صلى الله عليه وسلم ما يشبه ذلك، مع جميع المؤمنين الصادقين الذين كانوا من فقراء المسلمين، ولم يكونوا أصحاب جاه أو نفوذ أو عشيرة قوية.
لقد جعل زيد بن حارثة- وهو الغريب عن مكة والمدينة- أميرا على الجيش الإسلامى في غزوة مؤتة، وكان في هذا الجيش عدد كبير من كبار الصحابة.
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن سلمان الفارسي: «سلمان منا أهل البيت» .
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن عمار بن ياسر، عند ما استأذن عليه في الدخول: «ائذنوا له.
مرحبا بالطيب المطيب» .
وكان من مظاهر تكريمه لعبد الله بن مسعود، أن جعله كأنه واحد من أهل بيته.
فعن أبى موسى الأشعرى قال: قدمت أنا وأخى من اليمن، فمكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم على رسول الله، ولزومهم له ...
وقال صلى الله عليه وسلم لأبى بكر الصديق عند ما حدث كلام بينه وبين سلمان وصهيب وبلال في شأن أبى سفيان: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك.
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه ... أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك» فأتاهم فقال: يا إخوتاه أأغضبتكم؟ قالوا: لا. ويغفر الله لك يا أخى ... «١» .
ولقد سار خلفاؤه صلى الله عليه وسلم على هذه السنة، فكانوا يكرمون الفقراء، فأبو بكر- رضى الله عنه- أذن لصهيب وبلال في الدخول عليه، قبل أن يأذن لأبى سفيان وسهيل بن عمرو ...
(١) رياض الصالحين ص ١٤٢. باب: ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة.