للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمة الله- تعالى-، ويصح أن يكون المراد به الجنس، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا.

أى: لعن وطرد من رحمة الله- تعالى- ذلك الإنسان الذي ما أشد كفره وجحوده لنعم الله- تعالى-.

والدعاء عليه باللعن من الله- تعالى-، المقصود به: التهديد والتحقير من شأن هذا الإنسان الجاحد، إذ من المعلوم أن الله- سبحانه- هو الذي يتوجه إليه الناس بالدعاء، وليس هو- سبحانه- الذي يدعو على غيره، إذ الدعاء في العادة إنما يكون من العاجز، وجل شأن الله- تعالى- عن العجز.

وجملة «ما أكفره» تعليل لاستحقاق هذا الإنسان الجاحد التحقير والتهديد.

وهذه الآية الكريمة المتأمل فيها يراها- مع بلوغها نهاية الإيجاز- قد بلغت- أيضا- نهاية الإعجاز في أسلوبها، حيث جمعت أشد ألوان الذم والتحقير بأبلغ أسلوب وأوجزه.

ولذا قال صاحب الكشاف: قُتِلَ الْإِنْسانُ دعاء عليه، وهي من أشنع دعواتهم، لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها ما أَكْفَرَهُ تعجيب من إفراطه في كفران نعمة الله، ولا ترى أسلوبا أغلظ منه، ولا أخشن متنا، ولا أدل على سخط، ولا أبعد في المذمة، مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للائمة، على قصر متنه ... «١» .

ثم فصل- سبحانه- جانبا من نعمه، التي تستحق من هذا الإنسان الشكر لا الكفر فقال: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ أى: من أى شيء خلق الله- تعالى- هذا الإنسان الكافر الجحود، حتى يتكبر ويتعظم عن طاعته، وعن الإقرار بتوحيده، وعن الاعتراف بأن هناك بعثا وحسابا وجزاء ... ؟.

ثم وضح- سبحانه- كيفية خلق الإنسان فقال: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ أى: خلق الله- تعالى- الإنسان من نطفة، أى: من ماء قليل يخرج من الرجل إلى رحم المرأة- فَقَدَّرَهُ أى: فأوجد الله- تعالى- الإنسان بعد ذلك إيجادا متقنا محكما، حيث صير بقدرته النطفة علقة فمضغة ... ثم أنشأه خلقا آخر فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ أى: ثم بعد أن خلقه في أحسن تقويم، ومنحه العقل الذي يتمكن معه من التفكير السليم. يسر- سبحانه- له طريق النظر القويم، الذي يميز به بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>