قال ابن كثير: قوله: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ قال العوفى عن ابن عباس: ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه. وهكذا قال عكرمة ... واختاره ابن جرير.
وقال مجاهد: هذه الآية كقوله: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً أى:
بيناه له ووضحناه وسهلنا عليه علمه ... وهذا هو الأرجح ... «١» .
وجاء العطف «بثم» هنا، للإشعار بالتراخى الرتبى، لأن تيسير معرفة طريق الخير والشر، أعجب وأدل على قدرة الله- تعالى- وبديع صنعه من أى شيء آخر.
ولفظ «السبيل» منصوب على الاشتغال بفعل مقدر، أى: ثم يسر السبيل يسره، فالضمير في يسره يعود إلى السبيل. أى: سهل- سبحانه- الطريق للإنسان.
ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ أى: ثم أمات- سبحانه- هذا الإنسان، بأن سلبه الحياة فَأَقْبَرَهُ. أى: فجعله ذا قبر يوارى فيه جسده تكريما له، ولم يتركه مطروحا على وجه الأرض، بحيث يستقذره الناس، ويكون عرضة لاعتداء الطيور والحيوانات عليه.
يقال: قبر فلان الميت يقبره- بكسر الباء وضمها-، إذا دفنه بيده فهو قابر. ويقال:
أقبره، إذا أمر بدفنه، أو مكن غيره من دفنه.
وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن مواراة الأجساد في القبور من سنن الإسلام، أما تركها بدون دفن، أو حرقها ... فيتنافى مع تكريم هذه الأجساد.
ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ أى: ثم بعد أن خلق الله هذا الخلق البديع، وهداه النجدين، وأمر بستر جسده في القبر بعد موته ... بعد كل ذلك إذا شاء أحياه بعد الموت، للحساب والجزاء. يقال: أنشر الله- تعالى- الموتى ونشرهم، إذا بعثهم من قبورهم.
وقال- سبحانه- إِذا شاءَ للإشعار بأن هذا البعث إنما هو بإرادته ومشيئته، وفي الوقت الذي يختاره ويريده، مهما تعجله المتعجلون.
ثم زجر- سبحانه- هذا الإنسان زجرا شديدا لتقصيره في أداء حق خالقه، فقال- تعالى-: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ أى: كلا إن هذا الإنسان الجاحد المغرور ... لم يقض ولم يؤد ما أمره الله- تعالى- به من تكاليف ومن شكر لخالقه، ومن تأمل في آياته، ومن طاعة لرسله ... بل استمر في طغيانه وعناده.
فالمقصود بهذه الآية الكريمة: ردع هذا الإنسان الجاحد وزجره، وبيان أن هذا الردع سببه
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٤٥.