للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما الحساب اليسير؟ قال: «أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه» . «١» .

ثم بين- سبحانه- حال الأشقياء، بعد بيانه لحال السعداء فقال: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. وَيَصْلى سَعِيراً. أى: وأما من أعطى صحيفة أعماله- لسوادها وقبح أعمالها- بشماله من وراء ظهره وهو الكافر- والعياذ بالله- قيل تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل شماله وراء ظهره، على سبيل الإهانة والإذلال له.

فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً أى: فسوف يطلب الهلاك، بأن ينادى عليه بحسرة وندامة ويقول: أيها الموت أقبل فهذا أوانك، لتنقذنى مما أنا فيه من سوء.

وفي طلبه للهلاك، وتفضيله على ما هو فيه، دليل على أن هذا الشقي- والعياذ بالله- قد وصل به الحال السيئ إلى أقصى مداه، حتى لقد أصبح الهلاك نهاية أمانيه، كما قال الشاعر:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا

فالمراد بالدعاء في قوله يَدْعُوا ثُبُوراً النداء. والثبور: الهلاك، بأن يقول:

يا ثبوراه أقبل فهذا أوان إقبالك.

وقوله- تعالى- وَيَصْلى سَعِيراً بيان للعذاب الذي يحل به. أى: ويدخل النار الشديدة الاشتعال فيتقلب فيها، ويقاسى حرها.

وقوله- سبحانه- إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ تعليل لما أصابه من سوء. أى: إن هذا الشقي كان في الدنيا فرحا بطرا بين أهله، لا يفكر في عاقبة، ولا يعمل حسابا لغير ملذاته وشهواته. وإنه فوق ذلك ظَنَّ أى: أيقن أنه لن يرجع إلى ربه يوم القيامة، ليحاسبه على أعماله، ويجازيه بما يستحقه من جزاء.

قال القرطبي: قوله إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أى: لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب. ثم يثاب أو يعاقب. يقال: حار فلان يحور إذا رجع، ومنه قول لبيد:

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

فالحور في كلام العرب: الرجوع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم إنى أعوذ بك من الحور بعد الكور» يعنى: من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة.. «٢» .


(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٨٠.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>