للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- سبحانه- بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً إيجاب لما نفاه، وإثبات لما استبعده، وجملة «إن ربه» بمنزلة التعليل لما أفادته بلى من إبطال لما نفاه.

أى: ليس الأمر كما زعم من أنه لن يبعث ولن يرجع إلى ربه ... بل الحق الذي لا يشوبه باطل، أن هذا الشقي سيرجع إلى ربه يوم البعث والنشور، ليجازيه على أعماله، لأنه- سبحانه- كان- وما زال- عليما بأحوال هذا الشقي وغيره، إذ لا يخفى عليه- سبحانه- شيء في الأرض ولا في السماء.

فالمراد بالبصر هنا: العلم التام بأحوال الخلق.

ثم أقسم- سبحانه- ببعض مخلوقاته، على أن مشيئته نافذة، وقضاءه لا يرد، وحكمه لا يتخلف. فقال: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ. وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ.

والفاء في قوله فَلا أُقْسِمُ واقعة في جواب شرط مقدر، وهي التي يعبر عنها بالفصيحة، و «لا» مزيدة لتأكيد القسم، وجوابه «لتركبن» .

والشفق: الحمرة التي تظهر في الأفق الغربي بعد غروب الشمس، وهو ضياء من شعاعها، وسمى شفقا لرقته، ومنه الشفقة لرقة القلب.

والوسق: جمع الأشياء، وضم بعضها إلى بعض. يقال: وسق الشيء يسقه- كضرب- إذا جمعه فاجتمع، ومنه قولهم: إبل مستوسقة، أى: مجتمعة، وأمر متسق. أى: مجتمع على ما يسر صاحبه ويرضيه.

واتساق القمر: اجتماع ضيائه ونوره، وهو افتعال من الوسق. وهو الجمع والضم، وذلك يكون في الليلة الرابعة عشرة من الشهر.

أى: أقسم بالحمرة التي تظهر في الأفق الغربي، بعد غروب الشمس، وبالليل وما يضمه تحت جناحه من مخلوقات وعجائب لا يعلمها إلا الله- تعالى- وبالقمر إذا ما اجتمع نوره، واكتمل ضياؤه، وصار بدرا متلألئا.

وفي القسم بهذه الأشياء، دليل واضح على قدرة الله- تعالى- الباهرة، لأن هذه الأشياء تتغير من حال إلى حال، ومن هيئة إلى هيئة.. فالشفق حالة تأتى في أعقاب غروب الشمس، والليل يأتى بعد النهار، والقمر يكتمل بعد نقصان ... وكل هذه الحالات الطارئة، دلائل على قدرة الله- تعالى-.

وقوله- سبحانه- لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ جواب القسم- كما سبق أن أشرنا-.

<<  <  ج: ص:  >  >>