والمراد بالركوب: الملاقاة والمعاناة، والخطاب للناس، والطبق جمع طبقة، وهي الشيء المساوى لشيء آخر، والمراد بها هنا: الحالة أو المرتبة، وعن بمعنى بعد.
أى: وحق الشفق، والليل وما وسق، والقمر إذا اتسق.. لتلاقن- أيها الناس- أحوالا بعد أحوال، هي طبقات ومراتب في الشدة، بعضها أصعب من بعض، وهي الموت، وما يكون بعده من حساب وجزاء يوم القيامة.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ خطاب لجنس الإنسان المنادى أولا، باعتبار شموله لأفراده، والمراد بالركوب: الملاقاة، والطبق في الأصل ما طابق غيره مطلقا. وخص في العرف بالحال المطابقة لغيرها.. و «عن» للمجاوزة، أو بمعنى «بعد» . والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة أو حالا من فاعل لتركبن، والظاهر أن «طبقا» منصوب على المفعولية. أى: لتلاقن حالا كائنة بعد حال، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول.. منها ما هو في الدنيا، ومنها ما هو في الآخرة.
وقرأ الأخوان- حمزة والكسائي- وابن كثير لَتَرْكَبُنَّ- بفتح الباء- على أنه خطاب للإنسان- أيضا-، لكن باعتبار اللفظ، لا باعتبار الشمول.
وأخرج البخاري عن ابن عباس أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أى: لتركبن- أيها الرسول الكريم- أحوالا شريفة بعد أخرى من مراتب القرب. أو مراتب من الشدة بعد مراتب من الشدة، ثم تكون العاقبة لك.. «١» .
والفاء في قوله- تعالى- بعد ذلك: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ. لترتيب ما بعدها من الإنكار والتعجيب على ما قبلها، و «ما» للاستفهام الإنكارى. أى: إذا كان الأمر كما وضحنا لك- أيها الرسول الكريم- من أن البعث حق، ومن أن المستحق للعبادة هو الله- تعالى- وحده.. فأى شيء يمنع هؤلاء الكافرين من الإيمان، مع أن كل الدلائل والبراهين تدعوهم إلى الإيمان.
وأى: مانع منعهم من السجود والخضوع لله- تعالى- عند ما يقرأ عليهم القرآن الكريم، الذي أنزلناه عليك لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فالمقصود من الآيتين الكريمتين تعجيب الناس من حال هؤلاء الكافرين الذين قامت أمامهم