للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: فعرف- سبحانه- النفس الإنسانية وألهمها وأفهمها معنى الفجور والتقوى، وبين لها حالهما، ووضح لها ما ينبغي أن تفعله وما ينبغي أن تتركه، من خير أو شر، ومن طاعة أو معصية، بحيث يتميز عندها الرشد من الغي، والخبيث من الطيب.

ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ وقوله- عز وجل-: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ. إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً.

وقدم- سبحانه- هنا الفجور على التقوى، مراعاة لأحوال المخاطبين بهذه السورة، وهم كفار قريش، الذين كانت أعمالهم قائمة على الفجور والخسران، بسبب إعراضهم عما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من حق وبر.

وقوله- سبحانه-: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها يصح أن يكون جوابا للقسم. والفلاح: الظفر بالمطلوب. والتزكية: التزود من الخير والطاعة، والحرص على تطهير النفس من كل سوء، وقوله: دَسَّاها أى: نقصها وأخفاها بالمعاصي والآثام. وأصل فعل دسّى: دسّس، فلما اجتمع ثلاث سينات، قلبت الثالثة ياء، يقال: دس فلان الشيء إذا أخفاه وكتمه.

والمعنى: وحق الشمس وضحاها، وحق القمر إذا تلاها. وحق النفس وحق من سواها، وجعلها متمكنة من معرفة الخير والشر. لقد أفلح وفاز وظفر بالمطلوب، ونجا من المكروه، من طهر نفسه من الذنوب والمعاصي. وقد خاب وخسر نفسه. وأوقعها في التهلكة، من نقصها وأخفاها وأخملها وحال بينها وبين فعل الخير بسبب ارتكاب الموبقات والشرور.

قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله- تعالى-: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها جواب القسم.

وإليه ذهب الزجاج وغيره. والأصل: لقد أفلح، فحذفت اللام لطول الكلام المقتضى للتخفيف. وفاعل من «زكاها» ضمير «من» والضمير المنصوب للنفس ... «١» .

ويرى المحققون من العلماء أن جواب القسم محذوف، للعلم به، فكأنه- سبحانه- قد قال: وحق الشمس وضحاها، وحق القمر إذا تلاها.. ليقعن البعث والحساب والجزاء، أو لتحاسبن على أعمالكم. ودليل هذا الجواب قوله- تعالى- بعد ذلك: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها لأن هذه الآية الكريمة وما بعدها، تدل على أن الله- تعالى- قد اقتضت سنته، أن يحاسب من فسق عن أمره، وأصر على تكذيب رسله.

وعلى هذا سار صاحب الكشاف، فقد قال: فإن قلت: فأين جواب القسم؟ قلت: هو


(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>