للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام الشيخ محمد عبده- رحمه الله-: عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: نشأ صلى الله عليه وسلم موحدا، لم يسجد لصنم، وطاهر الخلق، لم يرتكب فاحشة، حتى عرف بين قومه بالصادق الأمين، فضلال الشرك، وضلال الهوى في العمل، كانا بعيدين عن ذاته الكريمة.

ولكن للضلال أنواع أخر، منها: اشتباه المآخذ على النفس، حتى تأخذها الحيرة فيما ينبغي أن تختار.. وهذا هو الذي عناه الله- تعالى- بالضلال في هذه الآية الكريمة.

وقد هداه- سبحانه- إلى الحق بعد هذه الحيرة، بأن اختار له دينا قويما وعلمه كيف يرشد قومه. هذا هو معنى قوله- تعالى-: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى، وهو معنى قوله- تعالى- في سورة الشورى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ....

وليس في وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالضال على هذا المعنى شين له، أو حط من شأنه، بل هذا فخره وإكليل مجده صلى الله عليه وسلم حيث كان على غير علم فعلمه الله، ولم يكن مطلعا على الغيب، فأطلعه الله على ما يريد اطلاعه عليه، وبهذا التفسير نستغني عن خلط المفسرين في التأويل.. «١» .

أما القول الثاني في معنى الآية الكريمة، فهو أنه صلى الله عليه وسلم كان بين قوم مشركين، وكان بعرضة أن يضل معهم، ولكن الله- تعالى- حبب إليه الانفراد عنهم، واعتزال شركهم وسوء أخلاقهم.. فكان بذلك كالشجرة المنفردة في الصحراء، والعرب تسمى الشجرة التي بهذه الصفة ضالة.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى أى: غافلا عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك، أى: أرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة.

وقال قوم: ضَالًّا أى: لم تكن تدرى القرآن الكريم والشرائع، فهداك الله إليهما.

وقال قوم ضَالًّا أى: وجدك في قوم ضلال فهداهم الله- تعالى- بك، والعرب إذا وجدت شجرة منفردة في فلاة من الأرض، لا شجر معها، سموها ضالة، فيهتدى بها إلى الطريق، فقال- سبحانه- لنبيه وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى أى: لا أحد على دينك، وأنت وحيد ليس معك أحد، فهديت بك الخلق إلى ديني.. «٢» .

هذا هما القولان اللذان نرتاح إليهما، وارتياحنا إلى أولهما أشد وأقوى لأن الرسول


(١) راجع تفسير جزء عم ج ٨٥.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>