وبعد أن أقامت السورة الكريمة- في عشرات الآيات منها- الأدلة الواضحة، وساقت الحجج الساطعة على صحة دين الإسلام.. انتقلت إلى الحديث عن معارك السيف والسنان التي دارت بين أهل الحق وأهل الباطل.
فتحدثت في الربع السابع والثامن والتاسع والعاشر منها عن غزوة أحد.
وكان حديثها عن هذه الغزوة زاخرا بالتوجيهات الحكيمة والتربية القويمة، والوصايا الحميدة، والعظات الجليلة والتشريعات السامية، والآداب العالية.
كان حديثها عنها هاديا للمسلمين في كل زمان ومكان إلى الطريق الذي يوصلهم إلى النصر ليسلكوه، موضحا لهم طريق الفشل ليجتنبوه. كان حديثها عنها يدعو المسلمين كافة إلى الاعتبار بأحداث الحياة «وكيف أنها تسير على سنن وقوانين علينا أن نطلبها ونسلك السبيل إلى تعلمها، وأن أحداث الحياة ليست مجموعة من المصادفات المتوالية، أو التدفق العشوائى، وإنما للنصر قوانين، وللهزيمة قوانين. ومن الممكن أن ينهزم المسلمون في حرب ولو كان فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ما خالفوا عن أمره، وسلكوا غير سبيل النصر، وأن لهم النصر على عدوهم وإن فاقهم عددا وعدة إذا ما استطاعوا أن يرتفعوا إلى ما فوق فاعلية عدوهم إيمانا وعلما وتنظيما»«١» .
لقد بدأت سورة آل عمران حديثها عن غزوة أحد بتذكير المؤمنين بما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل بدء المعركة من إعداد وتنظيم للصفوف، وبما هم به بعضهم من فشل، وبما تم لهم من نصر على أعدائهم في غزوة بدر.. استمع إلى القرآن وهو يحكى كل ذلك فيقول: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وفي هذا الربط بين الغزوتين تذكير للمؤمنين بأسباب انتصارهم في بدر وأسباب هزيمتهم في
(١) من كتاب «دروس من غزوة أحد» ص ١١ للدكتور عبد العزيز كامل.