ثم وجهت السورة الكريمة أربع نداءات إلى أهل الكتاب، دعتهم فيها إلى عبادة الله وحده، وإلى ترك الجدال بالباطل في شأن أنبيائه، ووبختهم على كفرهم وعلى خلطهم الحق بالباطل.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
ثم واصلت السورة الكريمة في الربعين: الخامس والسادس منها حديثها عن أهل الكتاب، فمدحت القلة المؤمنة منهم، وذمت من يستحق الذم منهم- وهم الأكثرون- وحكت بعض الرذائل التي عرفت عن أشرارهم وفريق من علمائهم.
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ، وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
ثم بينت أن الله- تعالى- قد أخذ الميثاق على أنبيائه بأن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأنهم قد أقروا بذلك وأمرت النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يجابه مخالفيه بكلمة الحق التي جاء بها من عند الله، وأن يخبرهم بأن من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
ثم ساقت السورة الكريمة بعض الشبهات التي أثارها اليهود حول ما أحله الله وحرمه عليهم من الأطعمة، وردت عليهم بما يفضحهم ويثبت كذبهم، ووبختهم على كفرهم وعلى صدهم الناس عن طريق الحق. وحذرت المؤمنين من مسالكهم الخبيثة التي يريدون من ورائها تفريق كلمتهم وفصم عرى أخوتهم واعتصامهم بحبل الله. وذكرتهم بنعمة الإيمان التي بسببها نالوا ما نالوا من الخير وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.
ثم بشرت السورة الكريمة المؤمنين بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وإنهم هم الغالبون ماداموا معتصمين بدينهم.. وذكرت بعض العقوبات التي عاقب الله- تعالى- بها اليهود بسبب كفرهم بآياته، وقتلهم أنبياءه، وعصيانهم أوامره.. وأثنت على من يستحق الثناء من أهل