وبعد هذا الحديث الحكيم المستفيض عن غزوة أحد، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن أهل الكتاب فذكرت جانبا من رذائل اليهود، الذين حكى الله- تعالى- عنهم أنهم قالوا:
إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ وأنهم قالوا: أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ.
وأنهم قد نقضوا عهودهم مع الله وباعوا دينهم بدنياهم الفانية.
وقد توعدهم الله- تعالى- على ارتكابهم لهذه الرذائل والمنكرات بالعذاب المهين ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
ثم تحدثت السورة الكريمة في أواخرها عن صفات أولى الألباب، وحكت عنهم ما كانوا يتضرعون به إلى الله من دعوات خاشعات، وابتهالات طيبات، وكيف أنه- سبحانه- قد أجاب لهم دعاءهم ببركة قوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم.
وكانت الآية الخاتمة فيها تدعو المؤمنين إلى الصبر والمصابرة والمرابطة وتقوى الله، لأن المؤمن الذي تتوفر فيه هذه الصفات يكون أهلا للفلاح في الدنيا والآخرة. قال- تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
هذا ونستطيع بعد هذا العرض الإجمالى لأهم المقاصد التي اشتملت عليها سورة آل عمران أن نستخلص ما يأتى:
أولا: أن السورة الكريمة قد اهتمت بإثبات وحدانية الله- تعالى- وإقامة الأدلة الساطعة على ذلك، وإثبات أن الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى- لعباده هو دين الإسلام، الذي أرسل به نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم.
وقد ساقت السورة الكريمة لإثبات هذه الحقائق آيات كثيرة منها قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
وقوله- تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ.
وقوله- تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
ثانيا: أن السورة الكريمة قد فصلت الحديث عن أحوال أهل الكتاب، بأسلوب مقنع حكيم يحق الحق ويبطل الباطل.
فأنت إذا طالعتها بتدبر تراها تارة تتحدث عن الكفر الذي ارتكسوا فيه بسبب اختلافهم وبغيهم. وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.