وتارة تتحدث عن نبذهم لكتاب الله وتحاكمهم إلى غيره. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ.
وتارة توبخهم على كفرهم بآيات الله. وعلى مجادلتهم بالباطل، وعلى سوء أدبهم مع الله- تعالى- وعلى نقضهم لعهودهم ومواثيقهم، وعلى كتمانهم لما أمرهم الله بإظهاره من حقائق.
وقد توعدتهم السورة الكريمة بسوء العذاب بسبب هذه الرذائل والمنكرات وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ.
وتارة تحذر المؤمنين من شرورهم فتقول: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.
ولا تغفل السورة الكريمة عن مدح من يستحق المدح منهم، لأن القرآن الكريم لا يذم إلا من يستحق الذم، فقد قال- تعالى- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.
وقال- تعالى- وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً.
وقال- تعالى-: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ.
هذا جانب من حديث سورة آل عمران عن أهل الكتاب، وهو حديث يكشف عن حقيقتهم حتى يكون المؤمنون على بينة من أمرهم.
وقد تحدثت السورة. أيضا عن المشركين وعن المنافقين إلا أن حديثها عن أهل الكتاب كان أكثر وأشمل.
ثالثا: أن السورة الكريمة قد اهتمت اهتماما بارزا بتربية المؤمنين بتربية ينالون باتباعها النصر والسعادة في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة.
فقد وجهت إليهم سبعة نداءات أمرتهم فيها بتقوى الله، وبالصبر والمصابرة والمرابطة، ونهتهم عن طاعة الكافرين، وعن التشبه بهم، وعن اتخاذهم أولياء كما نهتم عن تعاطى الربا وعن كل ما يتنافى مع آداب دينهم وتعاليمه.
وهذه النداءات السبعة تراها في قوله تعالى:
١- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ