للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعبدونها من دون الله كما قال- تعالى-: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ.

واقتران المشركين بما كانوا يعبدون في النار مبالغة في إيلامهم وتحسيرهم والاقتصار على ذكر الناس والحجارة لا يؤخذ منه أن ليس في النار غيرهما بدليل ما ذكر في مواضع أخرى من القرآن أن الجن والشياطين يدخلونها.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: انتفاء إتيانهم بالسورة واجب فهلا جيء ب «إذا» الذي للوجوب دون «ان» الذي للشك؟ قلت: فيه وجهان:

أحدهما: أن يساق القول معهم على حسب حسبانهم وطمعهم، وأن العجز عن المعارضة كان قبل التأمل كالمشكوك فيه لديهم لاتكالهم على فصاحتهم واقتدارهم على الكلام.

والثاني: أن يتهكم بهم كما يقول الموصوف بالقوة الواثق من نفسه بالغلبة على من يعاديه:

إن غلبتك لم أبق عليك وهو يعلم أنه غالبه ويتيقنه تهكما به «١» .

وقال: فإن لم تفعلوا، ولم يقل فإن لم تأتوا بسورة من مثله، لأن قوله فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا جار مجرى الكناية التي تعطى اختصارا ووجازة تغنى عن طول المكنى عنه، ولأن الإتيان ما هو إلا فعل من الأفعال، تقول: أتيت فلانا. فيقال لك: نعم ما فعلت.

وجملة وَلَنْ تَفْعَلُوا جملة معترضة بين الشرط والجزاء، جيء بها لتأكيد عجزهم عن معارضته. فإن في نفيها في المستقبل بإطلاق تأكيدا لنفيها في الحال.

قال الإمام الرازي: (فإن قيل: فما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله؟ فالجواب أنه إذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإذا صح ذلك ثم لزموا العناد استوجبوا العقاب بالنار، فاتقاء النار يوجب ترك العناد، فأقيم المؤثر مقام الأثر، وجعل قوله: فَاتَّقُوا النَّارَ قائما مقام قوله فاتركوا العناد، وهذا هو الإيجاز الذي هو أحد أبواب البلاغة، وفيه تهويل لشأن العناد، لإنابة اتقاء النار منابه متبعا ذلك بتهويل صفة النار) «٢» .

ومعنى أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ هيئت لهم، لأنهم الذين يخلدون فيها، أو أنهم خصوا بها وإن كانت معدة للفاسقين- أيضا لأنه يريد بذلك نارا مخصوصة لا يدخلها غيرهم كما قال- تعالى- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ١٠١.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>