للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه- وهم جمهور العلماء- أن المراد بكلمة الله هو عيسى- عليه السلام- لأنه كان يسمى بذلك أى أن يحيى كان مصدقا بعيسى ومؤمنا بأنه رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

وقد كان يحيى معاصرا لعيسى. وكانت بينهما قرابة قوية إذ أن والدة يحيى كانت أختا لأم مريم وقيل إن أم يحيى كانت أختا لمريم.

وأما الاتجاه الثاني فيرى أصحابه أن المراد بكلمة الله كتابه، أى أن يحيى من صفاته الطيبة أنه كان مصدقا بكتاب الله وبكلامه، وذلك لأن الكلمة قد تطلق ويراد منها الكلام، والعرب تقول أنشد فلان كلمة أى قصيدة، وقال كلمة أى خطبة.

ويبدو لنا أن الاتجاه الأول أقرب إلى الصواب، لأن القرآن قد وصف عيسى بأنه كلمة الله في أكثر من موضع فيه ومن ذلك قوله- تعالى- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ، وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وقوله تعالى- يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ولأن في التعبير عن عيسى الذي صدقه يحيى- بأنه كلمة من الله، إشعارا بأن ولادتهما متقاربة من حيث الزمن، وإيماء إلى أن زكريا- عليه السّلام- قد أوتى علما بأن المسيح عهده قريب، وأن يحيى- عليه السّلام- سيعيش حتى يدرك عيسى.

وقوله مُصَدِّقاً منصوب على الحال المقدرة من يحيى، أى على الحال التي سيكون عليها في المستقبل، والمراد بهذا التصديق الإيمان بعيسى- كما سبق أن أشرنا- قيل: هو أول من آمن بعيسى وصدق أنه كلمة الله وروح منه «١» .

و «من» في قوله مِنَ اللَّهِ للابتداء. والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لكلمة، أى مصدقا بكلمة كائنة من الله- تعالى- والصفة الثانية: من صفات يحيى عبر عنها القرآن بقوله «وسيدا» والسيد- كما يقول القرطبي- الذي يسود قومه وينتهى إلى قوله. وأصله سيود يقال: فلان أسود من فلان على وزن أفعل من السيادة، ففيه دلالة على تسمية الإنسان سيدا. وفي الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لبنى قريظة عند ما دخل سعد بن معاذ- «قوموا إلى سيدكم» وفي الصحيحين أنه قال في الحسن «إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» «٢» .


(١) تفسير الآلوسى ج ٣ ص ١٤٧.
(٢) تفسير القرطبي- بتصرف يسير- ج ٤ ص ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>