للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا سيما الصلاة في جماعة.

قال صاحب الكشاف: أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئة الصلاة وأركانها ثم قيل لها وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ بمعنى ولتكن صلاتك مع المصلين أى في الجماعة، أو انظمى نفسك في جملة المصلين وكوني معهم في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم «١» .

فأنت ترى في هاتين الآيتين أسمى ألوان المدح والتكريم والتهذيب لمريم البتول، فلقد أخبر- سبحانه- باصطفائها صغيرة وكبيرة، وبطهرها من كل سوء، والإشارة إلى الطهر هنا إشارة ذات مغزى، وذلك لما لا بس مولد عيسى- عليه السّلام- من خوارق، هذه الخوارق جعلت اليهود يفترون الكذب على مريم، ويتهمونها زورا وبهتانا بما هي بريئة منه، ثم بعد ذلك يأمرها- سبحانه- بمداومة الطاعة والعبادة والخضوع الله رب العالمين.

وبذلك يتبين لكل ذي عقل سليم أن الإسلام الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم هو الدين الحق، لأنه قد قال القول الحق في شأن مريم وابنها عيسى- عليه السّلام- أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد اختلفوا في شأنهما اختلافا عظيما أدى بهم إلى الضلال والخسران.

ثم بين- سبحانه- أن ما جاء به القرآن في شأن مريم- بل وفي كل شأن من الشئون- هو الحق الذي لا يحوم حوله باطل، وهو من أنباء الغيب التي لا يعلمها أحد سواه فقال- تعالى:

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ.

واسم الإشارة ذلِكَ يعود إلى ما تقدم الحديث عنه من قصة امرأة عمران وقصة زكريا وغير ذلك من الأخبار البديعة.

والأنباء: جمع نبأ، وهو الخبر العظيم الشأن.

والغيب: مصدر غاب، وهو الأمر المغيب المستور الذي لا يعلم إلا من قبل الله- تعالى-.

ونوحيه: من الإيحاء وهو إلقاء المعنى إلى الغير على وجه خفى، ويكون بمعنى إرسال الملك إلى الأنبياء وبمعنى الإلهام.

أى: ذلك القصص الحكيم الذي قصصناه عليك يا محمد، فيما يتعلق بما قالته امرأة عمران وما قاله زكريا، وما قالته الملائكة لمريم وفيما يتعلق بغير ذلك من شئون ذلك القصص الحكيم هو من أنباء الغيب التي لا يعلمها أحد سوى الله- عز وجل- وقد أخبرناك بها لتكون دليلا على صدقك فيما تبلغه عن ربك ولتكون عبرة وذكرى لقوم يعقلون.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٣٦٢. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>