للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله ذلِكَ مبتدأ وخبره قوله- تعالى- مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب. وقوله نُوحِيهِ إِلَيْكَ جملة مستقلة مبينة للأولى. والضمير في نُوحِيهِ يعود إلى الغيب أى الأمر والشأن أنا نوحي إليك الغيب ونعلمك به، ونظهرك على قصص من تقدمك مع عدم مدارستك لأهل العلم والأخبار.

ولذا قال- تعالى- وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ والأقلام جمع قلم وهي التي كانوا يكتبون بها التوراة، وقيل المراد بها السهام.

أى وما كنت- يا محمد- لديهم أى عندهم معاينا لفعلهم وما جرى من أمرهم في شأن مريم، إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ التي جعلوا عليها علامات يعرف بها من يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون فيما بينهم بسببها تنافسا في كفالتها.

وقد سبق أن ذكرنا ما قاله صاحب الكشاف من أن مريم بعد أن ولدتها أمها خرجت بها إلى بيت المقدس فوضعتها عند الأحبار وقالت لهم: دونكم هذه النذيرة!! فقالوا: هذه ابنة إمامنا عمران- وكان في حياته يؤمهم في الصلاة، فقال لهم زكريا: ادفعوها إلى فأنا أحق بها منكم فإن خالتها عندي- فقالوا لا حتى نقترع عليها فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم، فتولى كفالتها زكريا- عليه السّلام- «١» . فالضمير في قوله لَدَيْهِمْ يعود على المتنازعين في كفالة مريم لأن السياق قد دل عليهم.

والمقصود من هذه الجملة الكريمة «وما كنت لديهم إذ يلقون إلخ تحقيق كون الإخبار بما ذكر إنما هو عن وحى من الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن معاصرا لهؤلاء الذين تحدث القرآن عنهم. ولم يقرأ أخبارهم في كتاب من الكتب، ومع ذلك فقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أهل الكتاب وغيرهم بالحق الذي لا يستطيعون تكذيبه إلا على سبيل الحسد والجحود، فثبت أن القرآن من عند الله- تعالى- وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.

ثم حكى- سبحانه- ما قالته الملائكة لمريم على سبيل تبشيرها بعيسى- عليه السّلام- فقال- تعالى- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ.

وهذه الجملة الكريمة بدل اشتمال من جملة وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ.

إلخ قالوا: ولا يضر الفصل إذ الجملة الفاصلة بين البدل والمبدل منه اعتراض جيء به تقريرا لما سبق وتنبيها على استقلاله.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٣٥٧ بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>