وأما المعجزة الخامسة فقد حكاها القرآن في قوله- تعالى- وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ.
وقوله- تعالى- وَأُنَبِّئُكُمْ من الإنباء وهو الإخبار بالخبر العظيم الشأن.
وقوله تَدَّخِرُونَ من الادخار وهو إعداد الشيء لوقت الحاجة إليه. يقال: دخرته وادخرته، إذ أعدته للعقبى. وأصله «تذتخرون» بالذال المعجمة- من اذتخر الشيء- بوزن افتعل- فأبدلت التاء دالا ثم أبدلت الذال دالا وأدغمت.
والمعنى: أن عيسى- عليه السّلام- قد قال لقومه بنى إسرائيل: وإن من معجزاتي التي تدل على صدقى فيما أبلغه عن ربي أنى أخبركم بالشيء الذي تأكلونه وبالشيء الذي تخبئونه في بيوتكم لوقت حاجتكم إليه.
قال القرطبي: وذلك أنه لما أحيا لهم الموتى طلبوا منه آية أخرى وقالوا: أخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد، فأخبرهم فقال: يا فلان أنت أكلت كذا وكذا، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا فذلك قوله وَأُنَبِّئُكُمْ «١» .
و «ما» في الموضعين موصولة، أو نكرة موصوفة والعائد محذوف أى بما تأكلونه وتدخرونه.
ولا شك أن إخبار عيسى- عليه السّلام- لقومه بالشيء الذي يأكلونه وبالشيء الذي يدخرونه يدل على صدقه، لأن هذا الإخبار الغيبى بما لم يعاينه دليل على أن الله- تعالى- قد أعطاه علم ما أخبر به.
ثم ختم الله- تعالى- هذه الآية بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
أى إن في ذلك المذكور من المعجزات التي أجراها الله- تعالى- على يد عيسى- عليه السلام- لدلالة واضحة وعلامة بينة تشهد بصدقه فيما يبلغه عن ربه، إن كنتم يا بنى إسرائيل ممن يصدق بآيات الله ويذعن لها.
فاسم الإشارة «ذلك» يعود إلى ما سبق ذكره من معجزات عيسى- عليه السّلام- وجواب الشرط محذوف والتقدير: إن كنتم مؤمنين انتفعتم بهذه الآيات وأذعنتم للحق الذي جئتكم به من عند الله.
وبعد أن حكى القرآن المعجزات الباهرة التي أيد الله بها عيسى- عليه السّلام- عقب ذلك بالإشارة إلى طبيعة رسالته فقال- تعالى- وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
(١) تفسير القرطبي ج ٤ ص ٩٥.