للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- تعالى وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ عطف على المضمر الذي تعلق به قوله تعالى بِآيَةٍ أى قد جئتكم محتجا أو ملتبسا بآية من ربكم، ومصدقا لما بين يدي.. وجوز أن يكون منصوبا بفعل دل عليه «قد جئتكم» .. أى وجئتكم مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومعنى تصديقه- عليه السّلام- للتوراة الإيمان بأن جميع ما فيها حكمة وصواب، وأن كتابه يدعو إلى الإيمان بها.

والمعنى: أن عيسى- عليه السّلام- قال لبنى إسرائيل: إن الله- تعالى- قد أرسلنى إليكم لهدايتكم وقد جئتكم بالمعجزات التي تثبت صدقى. وجئتكم مصدقا لما بين يدي من التوراة.

أى مقررا لها ومؤمنا بها.

ومعنى ما بين يدي ما تقدم قبلي: لأن المتقدم السابق يمشى بين يدي الجائى فهو هنا تمثيل لحالة السبق، وإن كان بين عيسى- عليه السّلام- وبين نزول التوراة أزمنة طويلة لأنها لما اتصل العمل بها إلى مجيئه فكأنها لم تسبقه بزمن طويل ويستعمل بين يدي كذا في معنى الحاضر المشاهد كما في قوله- تعالى- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ.

وقوله وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ معمول لمقدر بعد الواو، أى: وجئتكم لأحل لكم بعض الأشياء التي كانت محرمة عليكم في شريعة موسى- عليه السّلام- فهو من عطف الجملة على الجملة.

أى أن شريعة عيسى جاءت متممة لشريعة موسى وناسخة لبعض أحكامها، فلقد حرم الله- تعالى- على بنى إسرائيل بعض الطيبات بسبب ظلمهم وبغيهم كما جاء في قوله- تعالى- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ فجاءت شريعة عيسى- عليه السلام- لتحل لهم بعض ما حرمه الله عليهم بسبب ظلمهم وفجورهم.

قال ابن كثير: فيه دلالة على أن عيسى- عليه السلام- نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين. ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئا، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه فأخطأوا فكشف لهم عن خطئهم كما قال في الآية وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ «١» .

قالوا. ومن الأطعمة التي أحلها عيسى لبنى إسرائيل بعد أن كانت محرمة عليهم في شريعة موسى: لحوم الإبل والشحوم وبعض الأسماك والطيور «٢» .


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٦٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣ ص ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>