للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تكونن من الشاكين في أى شيء مما أخبرناك به.

وقد أكد- سبحانه- أن ما أوحاه إلى نبيه صلّى الله عليه وسلّم هو الحق بثلاثة تأكيدات:

أولها: بالتعريف في كلمة الْحَقُّ أى ما أخبرناك به هو الحق الثابت الذي لا يخالطه باطل.

ثانيها: بكونه من عنده- سبحانه- وكل شيء من عنده فهو صدق لا ريب فيه.

ثالثها: بالنهى عن الامتراء والشك في ذلك الحق، لأن من شأن الأمور الثابتة أن يتقبلها العقلاء بإذعان وتسليم وبدون جدل أو امتراء.

قال الآلوسى: وقوله فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ خطاب له صلّى الله عليه وسلّم ولا يضر فيه استحالة وقوع الامتراء منه صلّى الله عليه وسلّم بل ذكروا في هذا الأسلوب فائدتين:

إحداهما: أنه صلّى الله عليه وسلّم إذا سمع مثل هذا الخطاب تحركت منه الأريحية فيزداد في الثبات على اليقين نورا على نور.

وثانيتهما: أن السامع يتنبه بهذا الخطاب على أمر عظيم فينزع وينزجر عما يورث الامتراء لأنه صلّى الله عليه وسلّم مع جلالته التي لا تصل إليها الأمانى- إذا خوطب بمثله فما يظن بغيره؟ ففي ذلك ثبات له صلّى الله عليه وسلّم ولطف بغيره» «١» .

لقد لقن الله تعالى، نبيه صلّى الله عليه وسلّم، الجواب الذي يقطع لسان المجادلين بالباطل في شأن عيسى عليه السّلام، فقال تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ.. إلخ.

قال الفخر الرازي: اعلم أنه «سبحانه» بين أول هذه السورة وجوها من الدلائل القاطعة على فساد قول النصارى بالزوجة والولد وأتبعهما بذكر الجواب على جميع شبههم على سبيل الاستقصاء التام وختم الكلام بهذه النكتة القاطعة لفساد كلامهم وهو أنه لما لم يلزم من عدم الأب والأم البشريين لآدم أن يكون ابنا الله فكذلك لا يلزم من عدم الأب البشرى لعيسى أن يكون ابنا الله. ولما لم يبعد خلق آدم من التراب لم يبعد أيضا خلق عيسى من الدم الذي كان يجتمع في رحم أم عيسى. ومن أنصف وطلب الحق علم أن البيان قد بلغ إلى الغاية القصوى- فعند ذلك- قال سبحانه- فَمَنْ حَاجَّكَ بعد هذه الدلائل الواضحة والجوابات اللائحة فاقطع الكلام معهم وعاملهم بما يعامل به المعاند، وهو أن تدعوهم إلى الملاعنة «٢» .

والفاء في قوله فَمَنْ حَاجَّكَ للتفريع على قوله- تعالى- الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.. وقوله


(١) تفسير الآلوسى ج ٣ ص ١٨٧.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>