مِنْ الراجح فيها أنها شرطية. وقوله حَاجَّكَ من المحاجة وهي تبادل الحجة والمجادلة بين شخص وآخر.
والمعنى: فمن جادلك وخاصمك «يا محمد» من أهل الكتاب «فيه» أى في شأن عيسى- عليه السّلام- بأن زعموا أنه إله أو ابن إله أو ثالث ثلاثة أو غير ذلك من الأقاويل الكاذبة في شأنه.
وقوله مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أى فمن جادلك في شأن عيسى من بعد الذي أنزلناه إليك وقصصناه عليك في أمره، فلا تبادله المجادلة، فإنه معاند لا يقنعه الدليل مهما كان واضحا، ولكن قل له ولأمثاله من الظالمين:
وقوله: تَعالَوْا اسم فعل أمر لطلب القدوم. وهو في الأصل أمر من تعالى يتعالى «كترامي يترامى» إذا قصد العلو. فكأنهم أرادوا به في الأصل أمرا بالصعود إلى مكان عال تشريفا للمدعو، ثم شاع حتى صار لمطلق الأمر بالقدوم أو الحضور.
وقوله ثُمَّ نَبْتَهِلْ أى نتباهل ونتلاعن. فالافتعال هنا بمعنى المفاعلة أى بأن نقول: بهلة الله على الكاذب منا ومنكم. والبهلة بفتح الباء وضمها: اللعنة. يقال بهله الله يبهله بهلا لعنه الله وأبعده من رحمته ثم شاعت في كل دعاء مجتهد فيه وإن لم يكن التعانا.
والمعنى: فإن جادلك أهل الكتاب في شأن عيسى من بعد أن أخبرك ربك بما هو الحق من أمره فقل لهم تَعالَوْا أى أقبلوا أيها المجادلون إلى أمر يعرف فيه الحق من الباطل، وهو أن ندعو نحن وأنتم الأبناء والنساء ثم نجتمع جميعا في مكان واحد، ثم نتضرع إلى الله ونبتهل إليه بأن يجعل لعنته على الكاذبين في دعواهم المنحرفين عن الحق في اعتقادهم.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد لقنت النبي صلّى الله عليه وسلّم الجواب الحاسم الذي يخرس ألسنة المجادلين في عيسى، ويتحداهم- إن كانوا صادقين- أن يقبلوا هذه المباهلة، ولكنهم نكصوا على أعقابهم فثبت كذبهم وضلالهم.
وهذه الآية الكريمة تسمى بآية المباهلة، وقد ذكر العلماء أنها نزلت للرد على نصارى نجران الذين جادلوا النبي صلّى الله عليه وسلّم في شأن عيسى- عليه السّلام-.
قال ابن كثير ما ملخصه. وكان نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد