للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصارى نجران حين قدموا المدينة فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من النبوة والألوهية فأنزل صدر هذه السورة ردا عليهم.. وكانوا ستين راكبا منهم ثلاثة إليهم يؤول أمرهم وهم: العاقب أميرهم واسمه عبد المسيح، والسيد صاحب رحلهم واسمه الأبهم، وأبو حارث بن علقمة أسقفهم وحبرهم. وفي القصة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أتاه الخبر من الله تعالى، والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم. دعاهم إلى المباهلة فقالوا:

يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا.. ثم خلوا بالعاقب فقالوا. يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال.

والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيّا قط، فبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم.. فأتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك، ونرجع على ديننا، فلم يلاعنهم صلّى الله عليه وسلّم وأقرهم على خراج يؤدونه إليه.

وروى الحافظ ابن مردويه عن جابر قال: قدم على النبي صلّى الله عليه وسلّم العاقب والطيب فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال: فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيد على وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج.

قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والذي بعثني بالحق لو لاعنا لأمطر عليهم الوادي نارا» .

ثم قال: وروى البخاري عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحب نجران إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريدان أن يلاعناه قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فو الله لئن كان نبيّا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، ثم قالا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا.. فقال: «لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين» . فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال صلّى الله عليه وسلّم: «قم يا أبا عبيدة بن الجراح» . فلما قام قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أمين هذه الأمة» «١» .

وقال صاحب الكشاف: إن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء والنساء؟

قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له. وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة. وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل. ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب.. وفي الآية


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>