وقال: أَنَّهُ الْحَقُّ معرفا بأل، ولم يقل: أنه حق للمبالغة في حقية المثل.
ومن المعروف في علم البيان أن الخبر قد يؤتى به معرفا بأل، للدلالة على أن المخبر عنه بالغ في الوصف الذي أخبر به عنه مرتبة الكمال.
وقوله: مِنْ رَبِّهِمْ حال من الحق، ومن ابتدائية، أى: إن هذا الكلام وارد من الله، لا كما زعم الذين كفروا أنه مخالف للصواب، فهو مؤذن بأنه من كلام الخالق الذي لا يقع منه الخطأ.
ثم بين- سبحانه- موقف الكافرين من هذه الأمثال عند ما تتلى عليهم فقال:
كلمة (ماذا) مركبة من ما الاستفهامية وذا اسم الإشارة، غير أن العرب توسعوا فيها فاستعملوها اسم استفهام مركبا من كلمتين، وذلك حيث يكون المشار إليه معبرا عنه بلفظ آخر غير الإشارة، حتى تصير الإشارة إليه مع التعبير عنه بلفظ آخر لمجرد التأكيد نحو: ماذا التواني؟ أو حيث لا يكون للإشارة موقع كقوله تعالى: وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وقد يتوسعون فيها توسعا أقوى فيجعلون ذا اسم موصول، وذلك حين يكون المسئول عنه معروفا للمخاطب بشيء من أحواله، فلذلك يجرون عليه جملة أو نحوها هي صلة ويجعلون ذا موصولا نحو ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ونحو ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا، أى: ما الذي أراده الله بهذا المثل.
والإرادة في أصل اللغة: نزوع النفس إلى الفعل، وإذا أسندت إلى الله دلت على صفة له تتعلق بالممكنات، فيترجح بها أحد وجهى المقدور، وقد كان جائز الوقوع وعدم الوقوع.
وقوله: مَثَلًا واقع في موقع التمييز لاسم الإشارة «هذا» كقولك لمن أجاب بجواب غير مقبول: ماذا أردت بهذا جوابا؟
والاستفهام الذي حكاه القرآن على ألسنة هؤلاء الكافرين، المقصود به الإنكار والتحقير لهذه الأمثال، ولأن يكون الله- تعالى- قد ضربها للناس.
والمعنى: فأما المؤمنون الذين من عادتهم الإنصاف، والنظر في الأمور بنظر العقل واليقين، فإنهم إذا سمعوا بمثل هذا التمثيل علموا أنه الحق الذي لا تمر الشبهة بساحته، وأما الكافرون فإنهم لانطماس بصيرتهم، وتغلب الأحقاد على قلوبهم فإنهم إذا سمعوا ذلك عاندوا وكابروا وقابلوه بالإنكار.