للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي لا يجرى.. ومنه دام الشيء إذا امتد عليه زمان. ودامت الشمس إذا وقفت في كبد السماء وقوله عَلَيْهِ متعلق بقوله قائِماً والمراد بالقيام الملازمة، لأن الأغلب أن المطالب يقوم على رأس المطالب، ثم جعل عبارة عن الملازمة وإن لم يكن ثمة قيام «١» .

قال ابن جرير: فإن قال قائل: وما وجه إخبار الله بذلك نبيه صلّى الله عليه وسلّم وقد علمت أن الناس لم يزالوا كذلك، منهم المؤدى أمانته ومنهم الخائن لها؟ قيل: إنما أراد- عز وجل- بإخباره المؤمنين خبرهم على ما بينه في كتابه بهذه الآية، تحذير المؤمنين من أن يأتمنوهم على أموالهم، وتخويفهم من الاغترار بهم، لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين «٢» .

ثم حكى- سبحانه- بعض الأسباب التي جعلتهم يبررون خيانتهم وجحودهم لحقوق غيرهم فقال- تعالى-: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ.

وقوله ذلِكَ إشارة إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله- سبحانه- لا يُؤَدِّهِ.

والمراد بالأميين: العرب، خصوصا من آمن منهم، وسمى العرب بالأميين نسبة إلى الأم، وذلك لغلبة الأمية عليهم لكأن الواحد منهم قد بقي على الحالة التي ولدتهم عليها أمهاتهم من عدم القراءة والكتابة.

والسبيل: المراد به: الحجة الملزمة والحرج. وأصله الطريق، ثم أطلق على الحجة باعتبارها طريقا ووسيلة للإلزام وتحمل التبعات.

أى: ذلك الامتناع عن الوفاء بالعهود، وجحود الأمانات والحقوق من الفريق الخائن. سببه زعمهم الباطل أنهم ليس عليهم حرج أو إثم أو تبعة في استحلال أموال العرب الأميين واستلابها منهم بأية طريقة، لأن الأميين ليسوا على ملتهم.

واليهود يزعمون أن كتابهم يحل لهم قتل من خالفهم، كما يحل لهم أخذا ما له بأى وسيلة.

وهذا الخلق الذميم معرق في اليهود، لأن أنانيتهم جعلتهم يحرفون كتبهم على حسب ما تهوى نفوسهم، فقد كانت التوراة تحرم الربا تحريما مطلقا فتقول: «لا تأخذ ربا من أخيك إذا أقرضته» فحرف اليهود هذا النص: إذ زادوا فيه كلمة الإسرائيلى فأصبح النص هكذا «لا تأخذ ربا من أخيك الإسرائيلى إذا أقرضته» وبذلك أصبحوا يحرمون الربا عند تعاملهم مع أنفسهم ويحلونه عند تعاملهم مع غيرهم، لأنهم لا يشعرون بالأخوة الإنسانية العامة.

قال الآلوسى: أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: بايع اليهود رجال من المسلمين في


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٢٨٨.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٣ ص ٣١٧ طبعة مصطفى الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>