وقوله ثُقِفُوا في محل جزم بها.
وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أى: أينما ثقفوا غلبوا أو ذلوا.
ويجوز أن يكون جواب الشرط قوله ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ عند من يجوز تقديم جواب الشرط على الشرط.
والاستثناء في قوله إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ مفرغ من عموم الأحوال أى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس.
ثم ذكر- سبحانه- عقوبتين أخريين أنزلهما بهم جزاء كفرهم وتعديهم لحدوده فقال تعالى:
وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ.
قال ابن جرير: قوله- تعالى- وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أى انصرفوا ورجعوا. ولا يقال باؤوا، إلا موصولا إما بخير وإما بشر. يقال منه: باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء. ومنه قوله- تعالى- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ يعنى تنصرف متحملهما، وترجع بهما قد صارا عليك دوني. فمعنى الكلام إذا: ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله، قد صار عليهم من الله غضب، ووجب عليهم منه سخط» «١» .
والمسكنة: مفعلة من السكون، ومنها أخذ لفظ المسكين. لأن الهم قد أثقله فجعله قليل الحركة والنهوض لما به من الفاقة والفقر.
والمراد بها في الآية الكريمة الضعف النفسي، والفقر القلبي الذي يستولى على الشخص فيجعله يحس بالهوان مهما تكن لديه من أسباب القوة.
والفرق بينها وبين الذلة: أن الذلة تجيء أسبابها من الخارج. كأن يغلب المرء على أمره نتيجة انتصار عدوه عليه فيذل لهذا العدو.
أما المسكنة فهي تنشأ من داخل النفس نتيجة بعدها عن الحق، واستيلاء المطامع والشهوات وحب الدنيا عليها.
والمعنى: أن هؤلاء اليهود يجانب ضرب الذلة عليهم حيثما حلوا، قد صاروا في غضب من الله، وأصبحوا أحقاء به، وضربت عليهم كذلك المسكنة التي تجعلهم يحسون بالصغار مهما ملكوا من قوة ومال.
ثم ذكر- سبحانه- الأسباب التي جعلتهم أحقاء بهذه العقوبات فقال- تعالى-:
(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٢٥١.