للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.

فاسم الإشارة ذلك يعود إلى تلك العقوبات العادلة التي عاقبهم الله بها بسبب كفرهم وفسقهم.

والآيات: تطلق ويراد بها الأدلة الشاهدة على وحدانية الله- تعالى- وربوبيته وتطلق ويراد بها النصوص التي تشتمل عليها الكتب السماوية، وتطلق ويراد بها الأدلة الشاهدة على صدق الرسل- عليهم الصلاة والسلام- فيما يبلغون عن الله- تعالى-، وهي التي يسميها علماء التوحيد بالمعجزات.

وقد كفر اليهود بكل هذه الضروب من الآيات ومردوا على ذلك كما يفيده التعبير بالفعل المضارع يَكْفُرُونَ.

أى: ذلك الذي أصابهم من عقوبات رادعة، سببه أنهم كانوا يكفرون بآيات الله وأدلته الدالة على وحدانيته وعلى صدق رسله- عليهم الصلاة والسلام- وتلك هي جريمة بنى إسرائيل الأولى.

أما جريمتهم الثانية فقد عبر عنها- سبحانه- بقوله وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ أى أنهم لم يكتفوا بالكفر، بل امتدت أيديهم الأثيمة إلى دعاة الحق وهم أنبياء الله- تعالى- الذين أرسلهم لهدايتهم فقتلوهم بدون أدنى شبهة تحمل على الإساءة إليهم فضلا عن قتلهم.

وقال- سبحانه- بِغَيْرِ حَقٍّ مع أن قتل الأنبياء لا يكون بحق أبدا. لإفادة أن قتلهم لهم كان بغير وجه معتبر في شريعتهم لأنها تحرمه.

قال- تعالى- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً «١» .

فهذا القيد المقصود به الاحتجاج عليهم بأصول دينهم، وتخليد مذمتهم، وتقبيح إجرامهم حيث إنهم قتلوا أنبياءهم بدون خطأ في الفهم، أو تأويل في الحكم أو شبهة في الأمر، وإنما فعلوا ما فعلوا وهم عالمون بقبح ما ارتكبوا، ومخالفون لشرع الله عن تعمد وإصرار.

ولذا قال صاحب الكشاف: فإن قلت: قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق، فما فائدة ذكره؟ قلت: معناه أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا، وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم.

فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به القتل عندهم «٢»


(١) سورة المائدة الآية ٣٢
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>