يأمنوا من يخالفهم في عقيدتهم على أسرارهم، وألا يتخذوا أعداء الله وأعداءهم أولياء يلقون إليهم بالمودة، وألا يطلعوهم على ما يجب إخفاؤه من شئون وأمور خاصة بالمؤمنين وقوله: مِنْ دُونِكُمْ يجوز أن يكون صفة لبطانة فيكون متعلقا بمحذوف، أى لا تتخذوا بطانة كائنة من غيركم. ويجوز أن يكون متعلقا بقوله: لا تَتَّخِذُوا أى لا تتخذوا من غير أهل ملتكم بطانة تصافونهم وتطلعونهم على أسراركم.
ثم ذكر- سبحانه- جملة من الأسباب التي تجعل المؤمنين يمتنعون عن مصافاة هؤلاء الذين يخالفونهم في عقيدتهم فقال في بيان أول هذه الأسباب: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وأصل «الألو» :
التقصير. يقال: ألا في الأمر- كغزا- يألو ألوا وألوا، إذا قصر فيه، ومنه قول امرئ القيس:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آل
أراد ولا مقصر، وهو- أى الفعل «يألو» من الأفعال اللازمة التي تتعدى إلى المفعول بالحرف، وقد يستعمل متعديا إلى مفعولين كما في قولهم: لا آلوك نصحا، على تضمين الفعل معنى المنع. أى لا أمنعك ذلك.
والخبال: الشر والفساد. وأصله ما يلحق الحيوان من مرض وفتور فيورثه فسادا واضطرابا.
يقال خبله وخبله فهو خابل. والجمع الخبل ورجل مخبل إذا أصيب بمرض أورثه اضطرابا وفسادا في قواه العقلية والفكرية.
والمعنى: أنهاكم- أيها المؤمنون- عن أن تتخذوا أولياء وأصفياء لكم من غير إخوانكم المؤمنين، لأن هؤلاء الأولياء من غير إخوانكم المؤمنين، لا يقصرون في جهد يبذلونه في إفساد أمركم، وفيما يورثكم شرا وضرا. أو لا يمنعونكم خبالا، أى أنهم يفعلون معكم ما يقدرون عليه من الفساد ولا يبقون شيئا منه عندهم، بل يبذلون قصارى جهدهم في إلحاق الضرر بكم في دينكم ودنياكم.
وقوله: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا جملة مستأنفة مبينة لحالهم داعية إلى اجتنابهم. أو صفة لقوله:
بِطانَةً.
وقوله: خَبالًا منصوب على أنه المفعول الثاني ليألونكم لتضمينه معنى يمنعونكم.
ويصح أن يكون منصوبا بنزع الخافض أى لا يقصرون لكم عن جهد فيما يورثكم شرا وفسادا.
أما السبب الثاني الذي يحمل المؤمنين على اجتناب هؤلاء الضالين فقد بينه- سبحانه- بقوله: وَدُّوا ما عَنِتُّمْ.