وقوله: وَدُّوا من الود وهو المحبة. يقال: وددت كذا أى أحببته.
وقوله: عَنِتُّمْ من العنت وهو شدة الضرر والمشقة. ومنه قوله- تعالى-: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ أى لأوقعكم فيما يشق عليكم.
وما في قوله: ما عَنِتُّمْ هي ما المصدرية. أى: أن هؤلاء الذين تصافونهم وتفشون إليهم أسراركم مع أنهم ليسوا على ملتكم، بجانب أنهم لا يألون جهدا في إفساد أمركم، فإنهم يحبون عنتكم ومشقتكم وشدة ضرركم، وتفريق جمعكم، وذهاب قوتكم.
فالجملة الأولى وهي قوله: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا بمنزلة المظهر والنتيجة، وهذه. أى قوله تعالى: وَدُّوا ما عَنِتُّمْ بمنزلة الباعث والدافع.
فهم لا يودون للمسلمين الخير والاطمئنان والأمان، وإنما يودون لهم الشقاء والشرور والخسران. وليس بعاقل ذلك الذي يطلع من يريد له الشرور على أسراره ودخائله.
وأما السبب الثالث الذي يدعو المؤمنين إلى اجتنابهم فقد بينه الله- تعالى- بقوله: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ.
والبغضاء مصدر كالسراء والضراء، وهي البغض الشديد المتمكن في النفوس، والثابت في القلوب.
أى: قد ظهرت أمارات العداوة لكم من فلتات ألسنتهم، وطفح البغض الباطن في قلوبهم لكم حتى خرج من أفواههم، ولاح على صفحات وجوههم، وقد قيل: كوامن النفوس تظهر على صفحات الوجوه وفلتات اللسان. ومع هذا فإن ما تخفيه نفوسهم المريضة لكم من أحقاد وإحن، أكبر مما نطقت به ألسنتهم من بغضاء، إذ أن ما نطقوا به إنما هو بمثابة الرشح الذي ظهر من مسام أجسادهم وقلوبهم، أما ما يبيتونه لكم من شرور وآثام فهو أكبر من ذلك بكثير.
وخص الأفواه بالذكر دون الألسنة. للإشارة إلى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم الباطلة، فهم أشد جرما من المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان مظهر من مظاهر فضله على المؤمنين حيث كشف لهم عن أحوال أعدائهم، وعن سوء نواياهم وعن الأسباب التي تدعو إلى الحذر منهم فقال- تعالى-: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ.
أى قد بينا لكم العلامات الواضحات، والآيات البينات التي تعرفون بها أعداءكم، وتميزون عن طريقها بين الصديق وبين العدو، إن كنتم من أهل العقل والفهم.
والمقصود من الجملة الكريمة حضهم على استعمال عقولهم بتأمل وتدبر في هذه الآيات التي