للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيفعل شيئا، عن حكمة ما أمر به أو ما سيفعله، بل شأنهم أن يتجهوا إلى استطلاع حكمة الأفعال والأوامر من أنفسهم، فإذا أدركوها فقد ظفروا بأمنيتهم، وان وقفت عقولهم دونها، ففي تسليمهم لقدر الله، وامتثالهم لأوامره الكفاية في القيام بحق التكليف والفوز برضا الله، الذي هو الغاية من الإيمان به والإقبال على طاعته.

قال بعض العلماء: «وفي هذه الآية الكريمة تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب بعض الناس له، لأنه إذا كان الملأ الأعلى قد مثلوا على أنهم يختصمون ويطلبون البيان والبرهان فيما لا يعلمون، فأجدر بالناس أن يكونوا معذورين- وبالأنبياء أن يعاملوهم كما عامل الله الملائكة المقربين، أى: فعليك يا محمد أن تصبر على هؤلاء المكذبين، وترشد المسترشدين، وتأتى أهل الدعوة بسلطان مبين «١» .

ثم أخذ- سبحانه- في بيان جانب من حكمة خلق آدم، وجعله خليفة في الأرض، بعد أن أجاب الملائكة على سؤالهم بالجواب المناسب الحكيم فقال- تعالى-:

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

علم: من التعليم وهو التعريف بالشيء. وآدم: اسم لأبى البشر، قيل إنه عبراني مشتق من أدمه، وهي لغة عبرانية معناها التراب، كما أن «حواء» كلمة عبرانية معناها «حي» وسميت بذلك لأنها تكون أم الأحياء.

والْأَسْماءَ جمع اسم، والاسم ما يكون علامة على الشيء، وتأكيد الأسماء بلفظ «كلها» في أنه علمه أسماء كل ما خلق من المحدثات من إنسان وحيوان ودابة، وطير، وغير ذلك.

ويصح حمل الأسماء على خواص الأشياء ومنافعها، فإن الخواص والمنافع علامات على ما تتعلق به من الحقائق.

وقوله: ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ عرض الشيء: إظهاره وإبانته والضمير في عَرَضَهُمْ يعود على المسميات، وهي مفهومة من قوله: الْأَسْماءَ كُلَّها إذ الأسماء لا بد لها من مسميات، فإذا أجرى حديث عن الأسماء حضر في ذهن السامع ما هو لازم لها، أعنى المسميات.

ودل على المسميات بضمير جمع الذكور العقلاء فقال: عَرَضَهُمْ ولم يقل عرضها، لأن في جملة هذه المسميات أنواعا من العقلاء: كالملائكة، والإنس، ومن الأساليب المعروفة بين


(١) تفسير القاسمى ج ٢ ص ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>