فصحاء العرب تغليب الكامل على الناقص، فإذا اشتركا في نحو الجمع أو التثنية أتى بالجمع أو التثنية على ما يطلق حال الكامل منهما.
والأمر في قوله: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ، ليس من قبيل الأوامر التي يقصد بها التكليف، أى: طلب الإتيان بالمأمور به، وإنما هو وارد على جهة إفحام المخاطب بالحجة.
والمعنى: أن الله- تعالى- ألهم آدم معرفة ذوات الأشياء التي خلقها في الجنة، ومعرفة أسمائها ومنافعها، ثم عرض هذه المسميات على الملائكة. فقال لهم على سبيل التعجيز:
أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما اختلج في خواطركم من أنى لا أخلق خلقا إلا وأنتم أعلم منه وأفضل.
قال ابن جرير: «وفي هذه الآيات العبرة لمن اعتبر والذكرى لمن ذكر، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عما أودع الله في هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن، وذلك أن الله- تعالى- احتج فيها لنبيه صلّى الله عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بنى إسرائيل، بإطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن- تعالى- أطلع عليها من خلقه إلا خاصا، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإنباء والإخبار ليقرر عندهم صدق نبوته، ويعلموا أن ما أتاهم به إنما هو من عند الله» .
ثم حكى- سبحانه- ما كان من الملائكة فقال:
قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.
سبحان: اسم مصدر بمعنى التسبيح أى التنزيه، وهو منصوب بفعل مضمر لا يكاد يستعمل معه.
وهذه الآية الكريمة واقعة موقع الجواب عن سؤال يخطر في ذهن السامع للجملة السابقة، إذ الشأن أن يقال عند سماعهم قوله- تعالى-: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ، ماذا كان من الملائكة؟
هل أنبأوا بأسماء المسميات المعروضة عليهم؟ فقال- تعالى-: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلخ الآية.
ولو قال الملائكة: لا علم لنا بأسماء هذه المسميات لكان جوابهم على قدر السؤال، ولكنهم قصدوا الاعتراف بالعجز عن معرفة أسماء تلك المسميات المعروضة على أبلغ وجه فنفوا عن أنفسهم أن يعلموا شيئا غير ما يعلمهم الله، ودخل في ضمن هذا النفي العام الاعتراف بالقصور عن معرفة الأسماء المسئول عنها.
ومعنى إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ أى: أنت يا ربنا العليم بكل شيء، الحكيم في خلقك وأمرك وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء، لك الحكمة في ذلك، والعدل التام.