وفي هذه الجملة الكريمة تطييب لقلب النبي صلّى الله عليه وسلّم ولقلوب أصحابه. حيث بين- سبحانه- لهم أنه ناصرهم، وأنه كاشف لهم أمر أعدائهم متى أطاعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، ولم يجعلوا من أولئك الأعداء الذين يضمرون لهم كل شر وضغينة بطانة لهم.
ثم ذكر- سبحانه- لونا آخر من ألوان بغض هؤلاء الكافرين للمؤمنين فقال- سبحانه-:
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها والمس: أصله الجس باليد. أطلق على كل ما يصل إلى الشيء على سبيل التشبيه، فيقال: فلان مسه النصب أو التعب، أى أصابه.
والمراد بالحسنة هنا منافع الدنيا على اختلاف ألوانها، كصحة البدن، وحصول النصر، ووجود الألفة والمحبة بين المؤمنين.
أى إن تمسسكم- أيها المؤمنون- حسنة كنصركم على أعدائكم. وإصلاح ذات بينكم، تَسُؤْهُمْ أى تحزنهم وتملأ قلوبهم غيظا عليكم، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ كنزول مصيبة بكم، يفرحوا بها. أى يبتهجوا بها، وتستطار ألبابهم سرورا وحبورا بسبب ما نزل بكم من مكاره.
فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر.
وعبر في جانب الحسنة بالمس، وفي جانب السيئة بالإصابة، للإشارة إلى تمكن الأحقاد من قلوبهم، بحيث إن أى حسنة حتى ولو كان مسها للمؤمنين خفيفا وليس غامرا عاما فإن هؤلاء المنافقين يحزنون لذلك، لأنهم يستكثرون كل خير للمؤمنين حتى ولو كان هذا الخير ضئيلا.
أما بالنسبة لما يصيب المؤمنين من مكاره، فإن هؤلاء المنافقين لا يفرحون بالمصيبة التي تمس المؤمنين مسا خفيفا، فإنها لا تشفى غيظهم وحقدهم، وإنما يفرحون بالمصائب الشديدة التي تؤذى المؤمنين في دينهم ودنياهم أذى شديدا ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بإرشاد المؤمنين إلى الدواء الذي يتقون به كيد أعدائهم وأعدائه فقال- تعالى-: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
وقوله: تَصْبِرُوا من الصبر وهو حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل.
وقوله: وَتَتَّقُوا من التقوى وهي صيانة الإنسان نفسه عن محارم الله.
وقوله: كَيْدُهُمْ من الكيد وهو أن يحتال الشخص ليوقع غيره في مكروه.
والمعنى: وَإِنْ تَصْبِرُوا أيها المؤمنون على طاعة الله، فتضبطوا أنفسكم ولا تنساقوا في محبة من لا يستحق المحبة، وتتحملوا بعزيمة صادقة مشاق التكاليف التي كلفكم الله بها، وتقاوموا