العداوة بمثلها وَتَتَّقُوا الله- تعالى- في كل ما نهاكم عنه، وتمتثلوا أمره في كل ما أمركم به، إن فعلتم ذلك لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ وتدبيرهم السيئ شَيْئاً من الضرر ببركة هاتين الفضيلتين: الصبر والتقوى، فإنهما جامعتان لمحاسن الطاعات، ومكارم الأخلاق.
وإن لم تفعلوا ذلك أصابكم الضرر، واستمكنوا منكم بكيدهم ومكرهم. قال الجمل ما ملخصه: وقوله: لا يَضُرُّكُمْ وردت فيه قراءتان سبعيتان:
إحداهما: بضم الضاد وضم الراء مع التشديد- من ضر يضر.
والثانية: لا يَضُرُّكُمْ- بكسر الضاد وسكون الراء- من ضار يضير. والفعل في كليهما مجزوم جوابا للشرط، وجزمه على القراءة الثانية «يضركم» ظاهر، وعلى القراءة الأولى «يضركم» يكون مجزوما بسكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع للتخلص من التقاء الساكنين، وأصل الفعل يضرركم- بوزن ينصركم- نقلت حركة الراء الأولى إلى الضاد ثم أدغمت في الثانية، وحركت الثانية بالضم اتباعا لحركة الضاد» «١» .
وقوله: شَيْئاً نصب على المصدرية. أى لا يضركم كيدهم شيئا من الضرر لا قليلا ولا كثيرا بسبب اعتصامكم بالصبر والتقوى.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ تذييل قصد به إدخال الطمأنينة على قلوب المؤمنين، والرعب في قلوب أعدائهم.. أى إنه- سبحانه- محيط بأعمالهم وبكل أحوالهم، ولا تخفى عليه خافية منها، وسيجازيهم عليها بما يستحقونه من عذاب أليم بسبب نياتهم الخبيثة، وأقوالهم الذميمة. وأفعالهم القبيحة.
وبهذا نرى أن الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين بأسلوب بليغ حكيم عن مصافاة من يخالفونهم في الدين، وذكرت لهم من صفات وأحوال هؤلاء المخالفين ما يحملهم على منابذتهم والحذر منهم والبعد عنهم، وأرشدتهم إلى ما يعينهم على النصر عليهم وعلى التخلص من آثار مكرهم وكيدهم.
وإنها لوصايا حكيمة وتوجيهات سديدة، وإرشادات عالية، ما أحوج المسلمين في كل زمان ومكان إلى العمل بها لكي يفلحوا في دنياهم وآخرتهم.
تدبر معى- أخى القارئ- هذه الآيات مرة أخرى فماذا ترى؟
إنك تراها توجه إلى المؤمنين نداء محببا إلى نفوسهم، محركا لحرارة العقيدة في قلوبهم..
حيث نادتهم بصفة الإيمان، ونهتهم في هذا النداء عن اتخاذ أولياء وأصفياء لهم من غير إخوانهم
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٣٠٨.