والتوكل: تفعل من وكل فلان أمره إلى فلان. إذا اعتمد في كفايته عليه ولم يتوله بنفسه.
والتوكل الحقيقي إنما يكون بعد الأخذ بالأسباب التي شرعها الله- تعالى- ثم بعد ذلك يترك الإنسان النتائج للخالق- عز وجل- يسيرها كيف يشاء. والجملة الكريمة أفادت قصر التوكل على الله وحده، كما يؤذن به تقديم الجار والمجرور.
أى وعلى الله وحده لا على غيره فليكل المؤمنون أمورهم، بعد اتخاذ الأسباب التي أمرهم- سبحانه- باتخاذها، فإنهم متى فعلوا ذلك تولاهم- سبحانه- بتأييده ورعايته.
ثم ذكرهم- سبحانه- بفضله عليهم وتأييده لهم يوم غزوة بدر فقال- تعالى-: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ.
وبدر: اسم لماء بين مكة والمدينة، التقى عنده المسلمون والمشركون من قريش في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وكان عدد المشركين قريبا من ألف رجل، ومع ذلك كان النصر حليفا للمسلمين. والأذلة- كما يقول الزمخشري: جمع قلة، وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلين.
وذلتهم: ما كان بهم من ضعف الحال، وقلة السلاح والمال والمركوب، وذلك أنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد، وما كان معهم إلا فرس واحد. وقلتهم: أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدوهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل ومعهم مائة فرس، ومعهم الشكة والشوكة- أى السلاح والقوة- «١» .
وإذن فليس المراد بكونهم أذلة أنهم كانوا أضعاف النفوس. أو كانوا راضين بالهوان. وإنما المراد أنهم كانوا قليلي العدد والعدد، فقراء في الأموال وفي وسائل القتال.
وفي هذا التذكير لهم بما حدث في غزوة بدر، تنبيه لهم إلى وجوب تفويض أمورهم إلى خالقهم، وإلى أن القلة المؤمنة التقية الصابرة كثيرا ما تنتصر على الكثرة الفاسقة الظالمة، ولذا فقد ختم- سبحانه- بقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
أى فاتقوا الله بأن تستشعروا هيبته، وتجتنبوا ما نهاكم عنه، وتفعلوا ما أمركم به لعلكم بذلك تكونون قد قمتم بواجب شكر ما أنعم به عليكم من نعم لا تحصى.
ثم ذكرهم- سبحانه- بما كان يوجهه إليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم من توجيهات سامية، وإرشادات نافعة فقال- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ.
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤١١.