للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بدر أو يوم أحد على قولين؟

أحدهما: أن قوله- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ متعلق بقوله وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ، وهذا عن الحسن والشعبي والربيع بن أنس وغيرهم. فعن الحسن في قوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ ... إلخ قال: هذا يوم بدر. وعن الشعبي: أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يريد أن يمد المشركين- برجال وسلاح- فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله- تعالى-: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ إلى قوله: مُسَوِّمِينَ قال: فبلغت كرزا الهزيمة فلم يمد المشركين.

وقال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف.

فإن قيل فكيف الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قصة بدر إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ.. إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «١» .

فالجواب: أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله- تعالى-:

مُرْدِفِينَ بمعنى غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم.

وهذا السياق شبيه بالسياق في سورة آل عمران، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان ببدر.

والقول الثاني يرى أصحابه أن هذا الوعد متعلق بقوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وذلك يوم أحد. وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف، لأن المسلمين يومئذ فروا. وزاد عكرمة: ولا بالثلاثة الآلاف لقوله تعالى-: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فلم يصبروا، بل فروا فلم يمدوا بملك واحد «٢» . ويبدو من كلام ابن كثير أنه يميل إلى أن هذا الوعد كان يوم بدر، فقد قال: فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر..

وهذا ما تسكن إليه النفس: لأن الوعد بنصرة الملائكة للمؤمنين كان يوم بدر لا يوم أحد، فقد كانوا في بدر قليلي العدد والعدد، وكانت غزوة بدر أول معركة حربية كبرى يلتقى فيها المؤمنون بالكافرين، ولأن سياق الآيات يشعر بأن الله- تعالى- قد ساقها ليستحضر في أذهان المؤمنين مشهد غزوة بدر وما تم فيها من نصر بسبب صدق إيمانهم، وطاعتهم لنبيهم صلّى الله عليه وسلّم حتى لا يعودوا إلى ما حدث من بعضهم في غزوة أحد من مخالفة للرسول صلّى الله عليه وسلّم.


(١) سورة الأنفال آية ٩، ١٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>