وقد حرمه الإسلام تحريا قاطعا. فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في خطبة الوداع: «ألا إن ربا الجاهلية موضوع- أى مهدر- وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب.» .
وقال الإمام أحمد بن حنبل: إن ربا النسيئة يكفر من يجحد تحريمه.
ويقابل هذا النوع من الربا، ربا البيوع وهو الذي ورد في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يقول فيه:
«البر بالبر مثلا بمثل يدا بيد، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمصل يدا بيد، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى» .
وقد اتفق العلماء على أن بيع هذه الأصناف لا بد أن يكون بغير زيادة إذا كانت بمثلها كقمح بقمح، ولا بد من قبضها. وإذا اختلف الجنس كقمح بشعير جازت الزيادة، ولا بد من القبض في المجلس، والتأخير يسمى ربا النساء، والزيادة المحرمة تسمى ربا الفضل.
وللفقهاء في هذا الموضوع مباحث طويلة فليرجع إليها من شاء في مظانها. ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بأمر المؤمنين بخشيته وتقواه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
أى: واتقوا الله بأن تجعلوا بينكم وبين محارمه ساترا ووقاية، لعلكم بذلك تنالون الفلاح في الدنيا والآخرة.
ثم حذرهم- سبحانه- من الأعمال التي تفضى بهم إلى النار فقال: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ.
أى: صونوا أنفسكم. واحترزوا من الوقوع في الأعمال السيئة كتعاطى الربا وما يشابه ذلك، لأن الوقوع في هذه الأعمال السيئة يؤدى بكم إلى دخول النار التي هيئت للكافرين.
وفي التعقيب على النهى عن تعاطى الربا بتقوى الله وباتقاء النار، إشعار بأن الذي يأكل الربا يكون بعيدا عن خشية الله وعن مراقبته، ويكون مستحقا لدخول النار التي أعدها الله- تعالى- للكافرين والفاسقين عن أمره.
قال صاحب الكشاف: «كان أبو حنيفة- إذا قرأ هذه الآية وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ يقول: هي أخوف آية في القرآن، حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه» «١» .
ثم بعد هذا التحذير الشديد للمؤمنين من ارتكاب ما نهى الله عنه، أمرهم- سبحانه- بطاعته وطاعة رسوله فقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤١٤.